تقلّبات حادة في الأسواق مع بداية رئاسة ترمب الثانية

وسط عزمه فرض رسوم جمركية على جيران أميركا الشمالية

ترمب يعرض أمراً تنفيذياً وقّعه خلال حدث استعراض تنصيب الرئاسة في صالة «كابيتال وان أرينا» (د.ب.أ)
ترمب يعرض أمراً تنفيذياً وقّعه خلال حدث استعراض تنصيب الرئاسة في صالة «كابيتال وان أرينا» (د.ب.أ)
TT

تقلّبات حادة في الأسواق مع بداية رئاسة ترمب الثانية

ترمب يعرض أمراً تنفيذياً وقّعه خلال حدث استعراض تنصيب الرئاسة في صالة «كابيتال وان أرينا» (د.ب.أ)
ترمب يعرض أمراً تنفيذياً وقّعه خلال حدث استعراض تنصيب الرئاسة في صالة «كابيتال وان أرينا» (د.ب.أ)

شهدت الأسواق المالية تقلّبات حادة في بداية رئاسة دونالد ترمب الثانية للولايات المتحدة؛ حيث أبدى موقفاً أكثر مرونة تجاه الصين مما كان يتوقعه الكثير من المراقبين، قبل أن يعلن في وقت لاحق عزمه فرض رسوم جمركية عقابية على جيرانه في أميركا الشمالية في غضون ساعات فقط.

لكن موجة من الارتياح اجتاحت الأسواق بعدما لم تفضِ خطاباته وسلسلة من الأوامر التنفيذية إلى فرض أي رسوم تجارية جديدة، إلا أن هذه الموجة توقفت بشكل مفاجئ عندما أفصح ترمب في تصريح للصحافيين من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض عن تفكيره في فرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على المكسيك وكندا، بدءاً من الأول من فبراير (شباط) المقبل، وفق «رويترز».

ونتيجة لذلك، عكس الدولار مساره، الذي كان قد تراجع، ليصعد إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات مقابل نظيره الكندي. وفي الوقت نفسه، صعدت أسواق هونغ كونغ، في حين شهدت أسهم شركات البطاريات تراجعاً، مما جعل يوم التداول بمثابة تذكير حيوي لكيفية تقلّب الأسواق خلال ولاية ترمب الأولى، وكيف أن المستثمرين الآن يشعرون بتفاؤل أكبر حيال المخاطر المرتقبة.

وفي هذا السياق، قال كبير استراتيجيي السوق في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول في سنغافورة، تاي هوي، في إفادة صحافية: «التصريحات المعدة مسبقاً وما يتمّ إعلانه بشكل ارتجالي، كلاهما سيُسهم في تحريك الأسواق». وأضاف: «بدلاً من أن نؤسّس جميع قراراتنا الاستثمارية على ما يتم التصريح به علناً، علينا أن نتراجع خطوة إلى الوراء ونستوعب التطورات بشكل أفضل».

وأشار إلى أن هناك فجوة كبيرة بين ما تم قوله خلال الحملة الانتخابية وما تتم دراسته وتنفيذه الآن. وكان ترمب قد تعهّد بفرض رسوم جمركية ضخمة تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات العالمية إلى الولايات المتحدة، و60 في المائة على السلع القادمة من الصين، إلا أن مذكرة أصدرها بعد توليه منصبه وجّهت الوكالات الفيدرالية فقط إلى دراسة وتحقيق العجز التجاري الأميركي.

وبلغ الدولار أعلى مستوى له في خمس سنوات عند 1.452 دولار كندي، ليعود بعدها إلى الاستقرار حول 1.44 دولار كندي، وارتفع لكن مع ذلك أقل من أعلى مستوياته مقابل البيزو المكسيكي في الشهر الماضي. كما شهدت سندات الخزانة انتعاشاً، في حين ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.2 في المائة، في حين انخفضت العقود الآجلة للأسواق الأوروبية بنسبة 0.4 في المائة. وقد شهدت الأسهم الصينية واليوان تحركات مؤقتة.

من جانبه، قال كبير مسؤولي الاستثمار في «إيست سبرينغ إنفستمنتس» في سنغافورة، فيس ناير: «الرسوم الجمركية تشكل عبئاً إضافياً»، مضيفاً: «على الرغم من التقلبات المتوقعة فإن هناك أملاً في وجود بعض البراغماتية، ومن غير المحتمل أن يتخذ ترمب أي إجراءات قد تؤدي إلى تضخم في الولايات المتحدة دون النظر في تداعيات ذلك».

مؤيّد للأعمال التجارية... ولكن بتكلفة

يبدأ ترمب فترة رئاسته الثانية بأجندة طموحة تشمل إصلاحات في مجالات التجارة والهجرة والتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية، وهي سياسات قد تعزّز أرباح الشركات الأميركية، لكنها قد تُسهم في إعادة إشعال التضخم ورفع ضغوط أسعار الفائدة. وفي خطاب تنصيبه، تعهّد ترمب بدعم صناعات النفط والغاز والطاقة الأميركية والتصدي لمشكلة الهجرة، كما اتخذ قرارات جريئة بإلغاء بعض السياسات السابقة، مثل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وفرض حالة الطوارئ لتعزيز إنتاج النفط والغاز.

وفي المقابل، شهدت أسواق البطاريات في كوريا الجنوبية انخفاضاً بعد أن ألغى ترمب أمراً كان يسعى لضمان أن نصف السيارات الجديدة المبيعة في الولايات المتحدة بعد عام 2030 ستكون كهربائية. ويعكس هذا التحول تأثير السياسة الجديدة في مجالات متنوعة، ما يترتب عليه عدم استقرار في أسواق الأسهم الأميركية التي من المتوقع أن تتفاعل مع هذه القرارات في الأيام المقبلة، خصوصاً بعد العطلة الرسمية، يوم الاثنين.

ووفقاً لكبير مسؤولي الاستثمار في «كريسيت كابيتال»، جاك أبلين: «معظم الإجراءات التي يروّج لها ترمب ستكون مفيدة في تحفيز النمو وأرباح الشركات، لكن هذه المنافع ستأتي بتكلفة. سنحتاج إلى رؤية نمو ملحوظ في الأرباح لتعويض أي زيادات طفيفة في أسعار الفائدة التي قد تترتب على التعريفات الجمركية والسياسات الاقتصادية الأخرى».

أما أسواق العملات المشفرة التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً قبل تولي ترمب منصبه، فقد تعرّضت لضغوط بعد غياب أي إعلانات فورية تدعم هذه الأسواق، مما أدى إلى بعض خيبة الأمل بين المستثمرين. وتم تداول «البتكوين» التي اقتربت من حاجز 110 آلاف دولار يوم الاثنين، عند مستوى 100 ألف دولار، في حين انخفضت عملة «ميمكوين» المرتبطة بترمب من 75 دولاراً في عطلة نهاية الأسبوع إلى 36 دولاراً.

وعلى الرغم من هذه التقلبات، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 19.4 في المائة خلال العام الأول من ولاية ترمب الأولى، وسجل زيادة إضافية بنسبة 5 في المائة في أول 100 يوم له. وعلى مدار فترة ولايته الأولى، ارتفع المؤشر بنحو 68 في المائة، رغم التقلبات التي سبّبتها الحرب التجارية مع الصين. ومع بداية ولايته الثانية، يظل السؤال الرئيسي في أذهان المستثمرين هو: كيف سيتمكّن ترمب من خفض التكاليف والتضخم وأسعار الفائدة؟


مقالات ذات صلة

أولى المحادثات التجارية بين أميركا والصين تخفف التوترات عن الاقتصاد العالمي

الاقتصاد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت متوجهاً إلى اجتماع مع مسؤولين صينيين في جنيف (أ.ف.ب)

أولى المحادثات التجارية بين أميركا والصين تخفف التوترات عن الاقتصاد العالمي

يعد الاقتصاد العالمي أكبر المستفيدين من أولى المحادثات التجارية بين أميركا والصين التي طال انتظارها كثيراً منذ إعلان الرئيس ترمب رسوماً جمركية بـ145% على بكين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

بين التشديد والتيسير... الرسوم تُعمّق الانقسام في سياسات الفائدة العالمية

تشهد البنوك المركزية الكبرى تبايناً في توجهاتها، في وقت تهدد فيه الرسوم الجمركية التي يفرضها البيت الأبيض بزيادة التضخم في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد حاويات على متن سفينة «ماجيستيك ميرسك» في ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا (رويترز)

«ميرسك» تحذّر من تراجع شحن الحاويات بسبب الحرب التجارية

حذرت مجموعة الشحن الدنماركية «إيه بي مولر - ميرسك» يوم الخميس من أن الحرب التجارية العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي قد يؤديان إلى انخفاض أحجام الحاويات العالمية.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن )
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار (رويترز)

الدولار يرتفع أمام الملاذات الآمنة وسط ترقب لقرار «الفيدرالي»

ارتفع الدولار الأميركي مقابل كل من الين الياباني، والفرنك السويسري، وهما من العملات المصنّفة ملاذات آمنة، بينما استقر أمام اليورو.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد شخص يسير أمام لوحة إلكترونية تعرض مؤشر «نيكي» الياباني في طوكيو (أ.ب)

الأسهم الآسيوية ترتفع بدعم من خطط محادثات التجارة والتحفيز الصيني

ارتفعت الأسهم الآسيوية يوم الأربعاء، مدعومة بإعلان كل من الولايات المتحدة والصين عن خطط لعقد محادثات تجارية في سويسرا، في وقت لاحق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)

أولى المحادثات التجارية بين أميركا والصين تخفف التوترات عن الاقتصاد العالمي

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت متوجهاً إلى اجتماع مع مسؤولين صينيين في جنيف (أ.ف.ب)
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت متوجهاً إلى اجتماع مع مسؤولين صينيين في جنيف (أ.ف.ب)
TT

أولى المحادثات التجارية بين أميركا والصين تخفف التوترات عن الاقتصاد العالمي

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت متوجهاً إلى اجتماع مع مسؤولين صينيين في جنيف (أ.ف.ب)
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت متوجهاً إلى اجتماع مع مسؤولين صينيين في جنيف (أ.ف.ب)

في وقت يسعى فيه أكبر اقتصادين في العالم إلى تخفيف التوترات بينهما وتجنب المزيد من التداعيات الاقتصادية، أتت المحادثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي يمكن وصفها بشديدة الأهمية في جنيف. وفي حين تطرح طاولة المحادثات قضايا الرسوم الجمركية وسلاسل التوريد والفنتانيل، لا تزال آمال تحقيق اختراق محدودة.

وتقاطعت هذه المحادثات مع تجديد وسائل الإعلام الرسمية الصينية دعواتها للولايات المتحدة لرفع رسومها الجمركية على صادراتها لإظهار «صدقها».

يأتي الاجتماع بين المفاوضين الصينيين بقيادة نائب رئيس مجلس الدولة هي ليفينغ وفريق أميركي برئاسة وزير الخزانة سكوت بيسنت، بعد يوم من إشارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى انفتاحه على خفض الرسوم الجمركية على الصين لتهدئة حربهما التجارية.

أعضاء الوفد الصيني يغادرون مقر المحادثات التجارية مع الوفد الأميركي في جنيف (رويترز)

وفي منشور على حسابه على موقع «تروث سوشيال» يوم الجمعة، أشار ترمب إلى إمكانية خفض الولايات المتحدة رسومها الجمركية على البضائع الصينية من 145 في المائة إلى 80 في المائة، داعياً بكين إلى فتح أسواقها أمام المنتجات الأميركية، إلا أن ترمب أضاف أن الأمر متروك لبيسنت.

ولكن في حين أن بكين حريصة على مواصلة المحادثات لتجنب الانفصال التام عن الولايات المتحدة، فإنها تشعر بقلق متزايد إزاء جهود واشنطن لإبرام اتفاقيات تجارية منفصلة مع دول أخرى، مثل المملكة المتحدة، التي قد تضر بالمصالح الصينية.

جاء الاجتماع في جنيف بعد أسابيع شهدت توتراً متصاعداً أدى إلى ارتفاع كبير في الرسوم الجمركية على الواردات بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ تجاوزت 100 في المائة.

وأدى النزاع التجاري، إلى جانب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي بفرض رسوم جمركية على عشرات من الدول الأخرى، إلى اضطراب سلاسل التوريد وزعزعة استقرار الأسواق المالية وتأجيج المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي حاد.

استراحة غداء

ولم يُكشف عن مكان عقد المحادثات في جنيف، المركز الدبلوماسي السويسري، إلا أن شهوداً رأوا وفدي الصين والولايات المتحدة يغادران مقر إقامة السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في ضاحية كولوني الراقية نحو وقت الغداء.

وقبل ذلك بأكثر من ساعتين، ابتسم مسؤولون أميركيون منهم بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير خلال مغادرتهم الفندق الذي يقيمون به متجهين إلى المحادثات. ورفض بيسنت في ذلك الوقت التحدث مع الصحافيين.

وشوهدت سيارات «مرسيدس فان» بنوافذ داكنة تغادر فندقاً، حيث يقيم الوفد الصيني على ضفاف بحيرة جنيف.

وتسعى واشنطن إلى خفض العجز التجاري مع بكين وإقناع الصين بالتخلي عما تقول الولايات المتحدة إنه نموذج اقتصادي يعتمد على زيادة التصدير بشكل كبير مقارنة بالاستيراد وبالإسهام بشكل أكبر في الاستهلاك العالمي، وهو تحول يتطلب إصلاحات محلية تثير حساسية سياسية.

وتصدت بكين لما تعتبره تدخلاً خارجياً. وتطالب واشنطن بخفض الرسوم الجمركية، وتوضيح ما تريد أن تشتري منه الصين أكثر، ومعاملتها كند لها على الساحة العالمية.

ترمب يقترح تخفيض الرسوم

ومع انعدام الثقة المتزايد حرص الجانبان على عدم إبداء أي ضعف، كما أن توقعات المحللين الاقتصاديين ضئيلة في حدوث انفراجة.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة، إن فرض رسوم جمركية بنسبة 80 في المائة على السلع الصينية «يبدو مناسباً»، مقترحاً للمرة الأولى بديلاً محدداً للرسوم البالغة 145 في المائة التي فرضها على الواردات الصينية.

يستمتع الناس بوقتهم على تلة تطل على ميناء يانتيان في شنتشن بمقاطعة قوانغدونغ بالصين (رويترز)

وأشار إلى أن المناقشات تمت بمبادرة من الصين. وأكدت بكين أن الولايات المتحدة طلبت إجراء المناقشات، وأن سياسة الصين في معارضة الرسوم الجمركية الأميركية لم تتغير.

وربما تتطلع الصين إلى الحصول على الإعفاء نفسه لمدة 90 يوماً من الرسوم الجمركية الذي منحته واشنطن لدول أخرى في أثناء إجراء المفاوضات، في حين سينظر المستثمرون بإيجابية لأي نوع من خفض الرسوم الجمركية والمحادثات التالية.

وقال وزير الاقتصاد السويسري جي بارمولان، في لقاء مع الطرفين في جنيف، إن إجراء المحادثات هو في حد ذاته نجاح. وصرح للصحافيين الجمعة: «إذا تم التوصل إلى خريطة طريق وقرروا مواصلة المناقشات، فإن ذلك سيخفف التوترات»، مشيراً إلى أن المحادثات قد تستمر حتى الأحد أو حتى يوم الاثنين.

وساعدت سويسرا في التوسط لعقد هذا الاجتماع خلال أحدث الزيارات التي قام بها سياسيون سويسريون إلى الصين والولايات المتحدة.

ومنذ تولي ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، زاد الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 145 في المائة، مشيراً إلى ممارسات تجارية غير عادلة واتهم بكين بعدم الحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل، وهو مادة مخدرة صناعية قاتلة. وردت الصين بفرض رسوم جمركية انتقامية بنسبة 125 في المائة.

OSZAR »