صندوق النقد الدولي: أوروبا متماسكة اقتصادياً... لكن التحديات تتفاقم

أوصى بتسريع استكمال السوق الموحدة لمواجهة ضعف الإنتاجية والشيخوخة السكانية

شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)
شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)
TT

صندوق النقد الدولي: أوروبا متماسكة اقتصادياً... لكن التحديات تتفاقم

شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)
شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)

قال صندوق النقد الدولي إن اقتصادات أوروبا لا تزال تُبدي قدراً كبيراً من التماسك، في ظل تسجيل معدلات بطالة منخفضة بشكل غير مسبوق، واقتراب معدل التضخم العام من المستوى المستهدف، إلى جانب استقرار النظام المالي.

ومع ذلك، أعرب الصندوق عن قلقه من أن صناع السياسات يواجهون جملة من التحديات المتصاعدة، أبرزها تصاعد الرسوم الجمركية، وتنامي حالة عدم اليقين المرتبطة بالسياسات التجارية، إضافة إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية، والحاجة المُلحة إلى تعزيز أمن الطاقة. وتتزامن هذه التحديات مع ضغوط هيكلية تتمثل في تباطؤ نمو الإنتاجية وتسارع وتيرة الشيخوخة السكانية.

وفي البيان الختامي لبعثة موظفي الصندوق لعام 2025 بشأن السياسات المشتركة للدول الأعضاء، حذَّر الصندوق من أن هذه العوامل مجتمعة تقوض الطلب المحلي والصادرات، وتطغى على المكاسب المتوقعة من زيادة الإنفاق الدفاعي ومشروعات البنية التحتية.

وأشار البيان إلى ما ورد في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» الصادر في أبريل (نيسان)، والذي توقّع أن يظل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو عند وتيرة معتدلة تبلغ 0.8 في المائة خلال عام 2025، مع إمكانية تسارعه إلى 1.2 في المائة في عام 2026.

كما لفت إلى أن التضخم العام يقترب من هدف 2 في المائة، مدعوماً بانخفاض أسعار الطاقة والسلع الأساسية، في حين يُتوقع أن ينخفض التضخم الأساسي إلى 2 في المائة بحلول عام 2026، لكن بوتيرة أبطأ. ومع ذلك، تبقى التوقعات عرضة لمخاطر مزدوجة: فمن جهة، قد يؤدي ضعف النشاط وتباطؤ الأجور إلى تضخم أقل من المتوقع، ومن جهة أخرى، قد تسهم التوترات الجيوسياسية وارتفاع الرسوم والإنفاق الحكومي في إعادة إشعال الضغوط التضخمية.

متسوق يدفع بورقة نقدية من فئة 10 يوروات في سوق محلية بمدينة نانت - فرنسا (رويترز)

أما على المدى المتوسط، فتُثقل القيود الهيكلية التوقعات الاقتصادية، لا سيما في ظل الشيخوخة السكانية، وضعف الإنتاجية، ونقص المهارات. ويؤكد الصندوق أن مواجهة هذه التحديات تتطلب استراتيجية أوروبية متكاملة لتعزيز النمو المستدام، ودعم الاستقرار المالي، دون المساس بالاستدامة المالية.

وفي هذا الإطار، أوصى الصندوق بأربع أولويات لتسريع استكمال السوق الموحدة. أولاً، خفض التجزؤ التنظيمي عبر نظام «الدولة الثامنة والعشرين»، الذي يوفر إطاراً موحداً لتأسيس الشركات وتشغيلها وحلها. ثانياً، تسريع اتحاد أسواق رأس المال واستكمال اتحاد البنوك، بما يسهل توجيه المدخرات نحو استثمارات محفوفة بالمخاطر تدعم الابتكار والنمو. ثالثاً، تعزيز التنقل العمالي الأوروبي لتسهيل مواءمة المهارات مع احتياجات السوق. ورابعاً، تحقيق تكامل سوق الطاقة لتوفير طاقة أرخص وأكثر استقراراً؛ ما قد يرفع الناتج المحتمل بنسبة تصل إلى 3 في المائة خلال عقد.

كما لفت الصندوق إلى أهمية اليورو الرقمي في دعم السيادة النقدية وتعزيز التكامل المالي داخل السوق الأوروبية، من خلال تحسين كفاءة المدفوعات وخفض التكاليف. لكنه شدد أيضاً على أن تعميق التكامل الأوروبي وحده لا يكفي، بل يجب أن يُستكمل بإصلاحات وطنية في سوق العمل، والسياسات الضريبية، وتنمية رأس المال البشري، لتحفيز النمو ورفع الإنتاجية.

عملات معدنية من فئة 2 يورو (رويترز)

وفيما يخص السياسة المالية، تختلف الاحتياجات بين الدول الأوروبية. ففي حين تحتاج الدول ذات الدين المرتفع إلى ضبط مالي أكبر، يمكن للدول ذات الهوامش المالية الأوسع اتباع نهج أكثر تدرجاً. ويوصي الصندوق دول منطقة اليورو، باستثناء ألمانيا، بتحقيق فائض أولي هيكلي بنسبة 1.4 في المائة من الناتج بحلول 2030؛ ما يتطلب تقليصاً إضافياً للعجز بنحو نقطتين مئويتين مقارنة بالخط الأساسي. ويأتي ذلك وسط ضغوط إنفاق متزايدة تشمل تكاليف الفوائد، والشيخوخة، وتحول الطاقة، والدفاع، ويتوقع أن تصل إلى 4.4 في المائة من الناتج سنوياً بحلول 2050.

ولمواجهة هذه الضغوط، يوصي الصندوق بالاستخدام المحدود لبنود الاستثناء في مراحل الإنفاق الدفاعي الأولى فقط، مع ضرورة تطوير خطط متوسطة الأجل لضمان استقرار الدين العام. كما دعا إلى إصلاح قواعد المالية الأوروبية لتمكين الدول منخفضة المخاطر من الاستثمار في النمو، دون أن تتقيد بقيود تعيق قدرتها على الاستجابة للاحتياجات التنموية.

وفي سياق متصل، يرى الصندوق أن الاستثمار المشترك والمنسق على مستوى الاتحاد الأوروبي هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الكبرى. وتقدّر تحليلاته أن التنسيق في مشروعات الطاقة النظيفة وحدها يمكن أن يقلل التكاليف بنسبة 7 في المائة. كما دعا إلى زيادة موازنة الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 50 في المائة لمواكبة الطلب المتزايد على الاستثمارات المشتركة، وتمويلها عبر توسيع القدرة على الاقتراض وزيادة الموارد الذاتية، وربط التمويل بأداء الدول في تنفيذ الإصلاحات.

وعلى صعيد السياسة النقدية، يرى الصندوق أن الإبقاء على سعر الفائدة عند 2 في المائة حالياً ملائم في ظل استقرار التضخم، مع ضرورة المرونة في التعديل حال ظهور صدمات جديدة. وفيما يخص الاستقرار المالي، أكد أن النظام المصرفي الأوروبي يتمتع بمتانة عامة، لكن هناك تصاعداً في المخاطر من المؤسسات المالية غير المصرفية؛ ما يستدعي رقابة أشد وتطوير إطار لدعم السيولة في هذا القطاع.

أخيراً، شدد الصندوق على أهمية استكمال اتحاد البنوك، بما يشمل نظام تأمين ودائع مشترك، وتعزيز صلاحيات الجهات الرقابية، وتطبيق معايير «بازل 3» بالكامل، لإنشاء نظام مالي أوروبي أكثر تكاملاً ومرونة.


مقالات ذات صلة

لبنان: مفاوضات الصندوق تتقدم... وتوقيع الاتفاق قريباً

الاقتصاد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام خلال مؤتمر صحافي مع نظيره القطري في الدوحة في 24 يونيو 2025 (أ.ف.ب)

لبنان: مفاوضات الصندوق تتقدم... وتوقيع الاتفاق قريباً

قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إن مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي تتقدم بمسؤولية وواقعية، مشيراً إلى أن الصندوق ليس عدواً ولا منقذاً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد شعار «صندوق النقد الدولي» يظهر أمام مبنى المقر الرئيسي في واشنطن (رويترز)

«صندوق النقد الدولي» يدعو «المركزي الأوروبي» للحفاظ على الفائدة عند 2 %

أكد ألفريد كامر، مدير الإدارة الأوروبية في «صندوق النقد الدولي»، يوم الأربعاء، ضرورة أن يُبقي البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع عند مستواه الحالي.

«الشرق الأوسط» (سنترا)
الاقتصاد أعلام سويسرية على جسر مونت بلان (رويترز)

«صندوق النقد الدولي» يخفض توقعات نمو الاقتصاد السويسري

خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السويسري، محذراً من مخاطر تجارية وجيوسياسية قد تؤثر سلباً على الأداء الاقتصادي في المرحلة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
الاقتصاد جانب من العاصمة الجزائرية (متداولة)

«النقد الدولي»: الجزائر تسجل تباطؤاً في النمو وتواجه تحديات مالية تتطلب إصلاحات عاجلة

أشار صندوق النقد الدولي إلى أن النشاط الاقتصادي في الجزائر تباطأ إلى 3.6 في المائة في عام 2024، مقارنة بـ4.1 في المائة في عام 2023.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مقر «البنك المركزي السعودي - ساما» في الرياض (الموقع الإلكتروني للبنك)

1.7 % تراجع الأصول الاحتياطية لـ«المركزي السعودي» في مايو

تراجع إجمالي الأصول الاحتياطية في «البنك المركزي السعودي (ساما)»، بمعدل 1.7 في المائة، على أساس سنوي، بنهاية مايو (أيار) الماضي، مسجلاً 1.72 تريليون ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

صناديق الأسهم الأميركية تسجل أكبر تدفق أسبوعي في ثمانية أشهر

شاشة تعرض مؤشر «داو جونز» الصناعي بعد جرس الإغلاق في بورصة نيويورك (رويترز)
شاشة تعرض مؤشر «داو جونز» الصناعي بعد جرس الإغلاق في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

صناديق الأسهم الأميركية تسجل أكبر تدفق أسبوعي في ثمانية أشهر

شاشة تعرض مؤشر «داو جونز» الصناعي بعد جرس الإغلاق في بورصة نيويورك (رويترز)
شاشة تعرض مؤشر «داو جونز» الصناعي بعد جرس الإغلاق في بورصة نيويورك (رويترز)

شهدت صناديق الأسهم الأميركية تدفقات قوية خلال الأسبوع المنتهي في 2 يوليو (تموز)؛ حيث سجلت الأسهم الأميركية مستويات قياسية مرتفعة بدعم من التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي، رغم اقتراب انتهاء مهلة التجميد الأميركية للرسوم الجمركية المتبادلة التي تستمر 90 يوماً في 9 يوليو، مع إحراز تقدم محدود في محادثات التجارة.

وأظهرت بيانات بورصة لندن لأوراق المال أن المستثمرين ضخوا استثمارات ضخمة بقيمة 31.6 مليار دولار في صناديق الأسهم الأميركية، في أكبر صافي شراء أسبوعي منذ 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وفق «رويترز».

وجاء التفاؤل حول الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مدفوعاً بتوقعات شركة «مايكرون تكنولوجي»، المزود لشرائح الذكاء الاصطناعي لشركتي «إنفيديا» و«أدفانسد مايكرو ديفايسز»، بتحقيق مبيعات قوية في الربع الأخير.

وسجل قطاع صناديق الأسهم الأميركية ذات القيمة السوقية الكبيرة أفضل أداء أسبوعي له منذ 25 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بتدفقات بلغت 31.04 مليار دولار. كما حققت صناديق الشركات المتوسطة والصغيرة صافي مبيعات بقيمة 1.72 مليار دولار و1.09 مليار دولار على التوالي. وبلغ الطلب على الصناديق القطاعية أعلى مستوياته في خمسة أشهر، حيث اجتذبت تدفقات صافية بنحو 3.4 مليار دولار خلال الأسبوع.

وسجل قطاعا التكنولوجيا والمالية صافي مشتريات كبيراً بقيمة 1.17 مليار دولار و1.04 مليار دولار على التوالي. في المقابل، استحوذ المستثمرون على صافي مشتريات بقيمة 6.66 مليار دولار من صناديق السندات الأميركية، مسجلين أسبوعهم الحادي عشر على التوالي من صافي الشراء. وحققت صناديق الاستثمار قصيرة إلى متوسطة الأجل ذات التصنيف الاستثماري تدفقات أسبوعية صافية بلغت 4.14 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ 20 نوفمبر 2024.

وتلقت صناديق الدخل الثابت المحلية العامة الخاضعة للضريبة 3.03 مليار دولار، فيما سجلت صناديق الحكومة وصناديق الخزانة قصيرة إلى متوسطة الأجل تدفقات خارجية صافية بلغت 2.11 مليار دولار.

في الوقت ذاته، بلغ صافي الاستثمارات الأسبوعية في صناديق أسواق النقد 57.98 مليار دولار، وهو أعلى مستوى له في أربعة أسابيع.

OSZAR »