السوداني ورشيد يبددان مع عون الغيمة التي ظللت العلاقات بين بيروت وبغداد

شِعر ونفط و«ترياق» في زيارة الرئيس اللبناني إلى العراق

من الاستقبال الرسمي للرئيس اللبناني في مطار بغداد الدولي (أ.ف.ب)
من الاستقبال الرسمي للرئيس اللبناني في مطار بغداد الدولي (أ.ف.ب)
TT

السوداني ورشيد يبددان مع عون الغيمة التي ظللت العلاقات بين بيروت وبغداد

من الاستقبال الرسمي للرئيس اللبناني في مطار بغداد الدولي (أ.ف.ب)
من الاستقبال الرسمي للرئيس اللبناني في مطار بغداد الدولي (أ.ف.ب)

عند سلم الطائرة في مطار بغداد الدولي، وفي درجة حرارة مرتفعة، صافح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضيفه، الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي وصل إلى بغداد الأحد... حرارة الجو، وحفاوة الاستقبال بَدَّدَتَا البرود النسبي الذي ساد العلاقات بين بغداد وبيروت على أثر تصريحات عون بشأن «الحشد الشعبي»، وعدم حضوره «قمة بغداد»، التي حضرها رئيس الوزراء نواف سلام.

ولم يتوجه عون إلى مدينة النجف (160 كلم جنوب بغداد) للقاء المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، بل تحدث هاتفياً مع نجله محمد رضا واطمأن على صحته وصحة والده، متمنياً له الشفاء العاجل على أمل أن تتاح له الفرصة لزيارته في وقت لاحق.

السوداني يرحب بالرئيس اللبناني في مطار بغداد (أ.ف.ب)

وكان الرئيس اللبناني، ذكر السيستاني في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وتلا خلاله أبياتاً من شعر الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، قبل أن يؤكد أن «السيد السيستاني وضع خريطة طريق لتحقيق مستقبل أفضل». وقال: إن الحل لإشكالية هويتنا الوطنية داخل دولتنا الناجزة، استلهمه حرفياً من موقف أصيل عميق للمرجع الدينى الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حين وضع خريطة طريق للحل، إذ دعا النخب الواعية إلى أن تأخذ العبر من التجارب التي مرت بها وتعمل بجد في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدها ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار، وذلك عبر إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة ومنع التدخلات الخارجية وتحكيم سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد على جميع المستويات... انتهى كلامه (السيستاني) ولا نزيد عليه حرفاً».

وبشأن العلاقة مع بغداد، قال عون مخاطباً السوداني: «نتقدَّم بأصدق الشكر على كل ما قدمتموه دوماً للبنان، من هبات، وتقديمات، ومساعدات في شتى المجالات، ولا أفي العراق حقه ولا أنجز التعداد». وأضاف أن «كل لبناني بات يؤمن فعلاً عند كل أزمة، بأن الترياق من العراق ليس قولاً مأثوراً، بل فعل».

من جهته، أكد رئيس الوزراء العراقي، «حرص العراق، حكومة وشعباً، على دعم لبنان وتقوية مؤسسات الدولة فيه». وقال: «إن العراق يدعم تماسك ووحدة واستقرار لبنان، ومؤسسات الدولة فيه، والسيادة على أرضه، ويرفض كل ما يتجاوز على هذا الركن المهم، وهو ما سيعمل العراق عليه خلال رئاسته القمة العربية».

وأوضح، أن «نجاح القوى السياسية اللبنانية في تشكيل حكومة خطوةٌ واثقةٌ كنا ننتظرها مثلما كان ينتظرها الشعب اللبناني»، مؤكداً: «ندعم التوافق السياسي الداخلي في لبنان في إطار التزامنا بمنهجنا الأساسي في عدم التدخل في الشؤون الداخلية».

كما تطرَّق السوداني إلى الحوار الذي أجراه مع عون، واصفاً إياه بـ«المهم». وقال: «استعرضنا الفرص المشتركة في مجالات الطاقة والاتصالات والتبادل التجاري والتكامل المطلوب بما ينعكس على الشعبين، ويؤكد دعم كل فرص التعاون، خصوصاً في القطاع الخاص الذي نعوّل على وجوده في العراق ولبنان».

عون والسوداني خلال استعراض حرس الشرف في مطار بغداد (رويترز)

وكان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أكد، في بيان له، أن السوداني وعون عقدا اجتماعاً ثنائياً، بالقصر الحكومي في بغداد، «تناول العلاقات بين البلدين، وسبل التعاون في مختلف المجالات، إضافة إلى البحث في مستجدات الأوضاع في المنطقة».

وأضاف أن «الاجتماع شهد استعراض العلاقات الثنائية، والمواقف المشتركة، وسبل توسعة الشراكة البناءة بين العراق ولبنان، وتعزيز التكامل الاقتصادي على مختلف المستويات، وزيادة فرص التواصل المنتج بين القطاعين الخاص والعام في البلدين الشقيقين».

وأكد السوداني، بحسب البيان، «حرص العراق حكومة وشعباً على دعم لبنان، وتقوية مؤسسات الدولة فيه، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، ورفض أي اعتداء على السيادة، أو تدخل خارجي يحاول النيل من إرادته المستقلة»، مشيراً إلى «استمرار الدعم والإسناد من أجل تجاوز التحديات الراهنة».

من جانبه، أعرب الرئيس اللبناني عن «شكره وتقديره لمواقف العراق المبدئية والعملية تجاه لبنان، خصوصاً في الظروف الصعبة التي مرَّت على اللبنانيين، ورفع قدرته على مواجهة المنعطفات المختلفة، ودعم العراق لسيادة لبنان واستقراره، إضافة إلى السعي نحو توسعة آفاق التعاون لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين».

يضاف إلى ذلك، من المتوقع أن تتناول زيارة الرئيس اللبناني إلى العراق البحث في إمكانية استمرار تزويد لبنان بالوقود المخصَّص لتشغيل محطات الطاقة، وضمن الاتفاق السابق القائم على مقايضة جزء من الوقود بالخدمات، وجزء آخر بأسعار أقل من السوق العالمية، بالإضافة إلى مسائل أمنية بين البلدين بشأن تبادل المعلومات وتسليم المطلوبين، وغيرها.

من اللقاء بين الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ونظيره اللبناني عون (د.ب.أ)

وعقد الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد لقاءً ثنائياً مع الرئيس عون في قصر بغداد، رحَّب خلاله بالرئيس الضيف، وأكد «متانة العلاقات الثنائية بين البلدين، والحرص على تطويرها وتنميتها، وأهمية تعزيز التعاون والتبادل التجاري في مختلف المجالات». كما جرى خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية، «استعراض الأوضاع في لبنان والمنطقة، مع التأكيد على ضرورة بذل مزيد من الجهود الدولية لتخفيف حدة التوترات، والركون إلى التهدئة والحوار البنَّاء لتحقيق السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً، كما تم بحث الأوضاع في فلسطين وغزة، حيث أكد الرئيسان أهمية مواصلة دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، وجدَّدا دعمهما لوحدة سوريا واستقرارها والحفاظ على سيادتها وأمنها».

بعدها عُقد اجتماع موسَّع بين الجانبين بحضور عدد من المسؤولين العراقيين واللبنانيين، حيث أكد رئيس الجمهورية موقف العراق الثابت تجاه لبنان، «الذي يقوم على دعم كل ما يحفظ أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه، وما يحقق مصلحة شعبه»، مشيراً إلى أن العراق «وانطلاقاً من مقررات (قمة بغداد) يبذل أقصى الجهود بالتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء لدعم الشعب اللبناني الشقيق، وبما يسهم في تحقيق تطلعات وآمال اللبنانيين بجميع مكوناتهم».

بدوره، أعرب الرئيس عون عن شكره وامتنانه «لمواقف العراق الداعمة للبنان في مختلف المجالات، ودوره في لمّ الشمل وبناء جسور التعاون بين دول المنطقة»، مؤكداً حرص بلاده على «تعزيز العلاقات بين البلدين، وتوطيد التعاون الثنائي وبما يخدم المصالح المشتركة»، مستعرضاً الأوضاع في لبنان، ومؤكداً انتهاج الدولة اللبنانية «سياسة واضحة تلتزم الإصلاح في مختلف المجالات، وتقوم على احترام سيادة لبنان واستقراره».

من الجلسة الموسعة مع الرئيس رشيد في بغداد (د.ب.أ)

يذكر أن زيارة عون إلى بغداد، تأتي بعد فترة برود قبيل انعقاد القمة العربية في بغداد الشهر الماضي بعد تصريحات للرئيس عون بشأن «الحشد الشعبي» العراقي. وكانت وزارة الخارجية العراقية استدعت السفير اللبناني في بغداد علي الحبحاب؛ للتعبير عن عدم ارتياحها إزاء تلك التصريحات. وأكد وكيل الوزارة لشؤون العلاقات الثنائية، السفير محمد بحر العلوم، أن «الحشد الشعبي جزء مهم من المنظومة الأمنية العسكرية في العراق، وهي مؤسسة حكومية وقانونية، وجزء من منظومة الدولة العراقية»، مشيراً إلى أن «ما صدر عن الرئيس اللبناني من ربط في هذا السياق لم يكن موفقاً، وكان الأجدر عدم إقحام العراق في الأزمة الداخلية اللبنانية، أو استخدام مؤسسة عراقية رسمية مثالاً في هذا السياق».

وأشار بحر العلوم إلى أن «حالة من عدم الارتياح سادت العراقيين، لا سيما أن العراق لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب لبنان في مختلف الظروف». وأعرب عن أمله في أن «يُصحِّح الرئيس اللبناني هذا التصريح، بما يعزِّز العلاقات الأخوية بين البلدين، ويؤكد احترام خصوصية كل دولة».


مقالات ذات صلة

«خطة فصائلية» تُعيد العراق إلى واجهة الصراع الأميركي الإيراني

المشرق العربي مدرعات تابعة للأمن العراقي تتمركز خارج السفارة الأميركية في ببغداد (رويترز)

«خطة فصائلية» تُعيد العراق إلى واجهة الصراع الأميركي الإيراني

أجْلَت طائرات عسكرية دبلوماسيين أميركيين من العاصمة العراقية بغداد، وسط مؤشرات استخبارية من نية فصائل استهداف المصالح الأميركية في المنطقة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجانب العراقي من المعبر الحدودي بين القائم في العراق والبوكمال في سوريا (أ.ف.ب)

سوريا: افتتاح معبر البوكمال الحدودي مع العراق السبت

أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، الخميس، افتتاح معبر البوكمال الحدودي مع العراق أمام حركة عبور المسافرين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مدرعات تابعة لقوات الأمن العراقية تتمركز خارج السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء» ببغداد (رويترز)

سفارة أميركا في بغداد تطلب من مواطنيها عدم السفر إلى العراق

نصحت السفارة الأميركية في بغداد مواطني الولايات المتحدة، الخميس، بعدم السفر إلى العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مستقبلاً رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني في واشنطن (أ.ب)

واشنطن تحث بغداد وأربيل على «حوار دستوري بنّاء»

في موقف جديد تزامن مع استمرار التوترات السياسية، دعت وزارة الخارجية الأميركية، مساء الثلاثاء، بغداد وأربيل إلى الدخول في «حوار بنّاء» لحل أزمة الرواتب.

حمزة مصطفى (بغداد)
رياضة عربية الجماهير العراقية احتفلت في «ستاد عمّان الدولي» بفوز العراق على الأردن (رويترز)

تصفيات المونديال: العراق يلدغ الأردن بهدف سجاد جاسم

اقتنص منتخب العراق فوزاً صعباً من مضيفه الأردني 1 - صفر، الثلاثاء، في الجولة الأخيرة من مباريات المجموعة الثانية للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026.

«الشرق الأوسط» (عمّان)

«خطة فصائل» وراء إجلاء الأميركيين من بغداد

نشر مدرعات عسكرية عراقية خارج مبنى السفارة الأميركية في بغداد أمس بعد الإعلان عن إجلاء عدد من موظفيها (أ.ف.ب)
نشر مدرعات عسكرية عراقية خارج مبنى السفارة الأميركية في بغداد أمس بعد الإعلان عن إجلاء عدد من موظفيها (أ.ف.ب)
TT

«خطة فصائل» وراء إجلاء الأميركيين من بغداد

نشر مدرعات عسكرية عراقية خارج مبنى السفارة الأميركية في بغداد أمس بعد الإعلان عن إجلاء عدد من موظفيها (أ.ف.ب)
نشر مدرعات عسكرية عراقية خارج مبنى السفارة الأميركية في بغداد أمس بعد الإعلان عن إجلاء عدد من موظفيها (أ.ف.ب)

أُفيد في بغداد بأن خطة وضعتها فصائل عراقية موالية لإيران كانت وراء قرار أميركي بإجلاء دبلوماسيين من بغداد.

وقالت مصادر أمنية إن طائرات عسكرية هبطت في قاعدة «فيكتوريا» قرب مطار بغداد الدولي؛ لإجلاء موظفين في السفارة الأميركية بالتزامن مع تحذيرات أمنية.

وأشار الباحث عقيل عباس إلى «عدم وجود مؤشرات كافية على توجيه ضربة أميركية وشيكة ضد إيران، بل هناك معلومات استخبارية تُفيد بأن فصائل عراقية قد تستهدف الأميركيين في العراق والجوار العربي؛ ما أدَّى إلى اتخاذ إجراءات احترازية».

وحذَّرت السفارة الأميركية من خطر وقوع أعمال عنف، بما فيها «هجمات إرهابية وعمليات خطف وأنشطة أخرى» في العراق. وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت، الأربعاء، أنّها باشرت بنقل موظفين أميركيين من منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها قد تكون مكاناً «خطراً» في ظلّ التوتّرات الراهنة مع إيران.

وأكّد متحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، أن قرار إجلاء بعض موظفي السفارة الأميركية إجراء تنظيمي واحترازي لا يرتبط بأي تهديد أمني. وبدوره، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن بلاده تدعم إيجاد «مقاربة عادلة ومتوازنة» تفضي إلى نتائج إيجابية للمفاوضات الإيرانية - الأميركية.

OSZAR »