زخم كردي يضغط على بغداد لإنهاء أزمة الرواتب

تقارير: واشنطن تريد تفاهماً سريعاً بشأن إنتاج الغاز الطبيعي

جانب من اجتماع مجلس وزراء إقليم كردستان (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع مجلس وزراء إقليم كردستان (إعلام حكومي)
TT

زخم كردي يضغط على بغداد لإنهاء أزمة الرواتب

جانب من اجتماع مجلس وزراء إقليم كردستان (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع مجلس وزراء إقليم كردستان (إعلام حكومي)

بالتزامن مع دعوة أميركية لإطلاق مفاوضات سريعة بين بغداد وأربيل بشأن استثمار الغاز الطبيعي، رفعت حكومة إقليم كردستان زخم ضغوط تمارسها ضد قرار قطع رواتب الموظفين الأكراد.

ونقلت مواقع كردية محلية عن مسؤول أميركي، يوم الجمعة، أن بلاده «تشجع بغداد وأربيل على العمل معاً من أجل الشروع في إنتاج الغاز بأسرع وقت ممكن». وعدّ المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الاتفاقيات الأخيرة التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع شركات أميركية لتطوير إنتاج الغاز «خطوة مهمة لمعالجة الخلل المزمن في قطاع الطاقة العراقي»، داعية بغداد وأربيل إلى التنسيق العاجل لتسريع تنفيذ المشروعات.

المدينة القديمة في أربيل عاصمة إقليم كردستان... وتظهر القلعة التاريخية (رووداو)

«نفوذ إيران الضار»

وقال المسؤول إن «الولايات المتحدة ترى أن العراق سيكون أفضل استقراراً وسيادة عبر تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة والابتعاد عن النفوذ الإيراني الضار». وأضاف أن «الاتفاقات التي وقعها رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، مؤخراً مع شركات أميركية لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي في كردستان العراق، تدعم هذا الهدف».

وكانت حكومة الإقليم قد أعلنت عن توقيع اتفاقيتين لتطوير حقول غاز في محافظة السليمانية، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 110 مليارات دولار، في واحدة من كبرى صفقات قطاع الطاقة بالإقليم. وتهدف الاتفاقيات إلى استغلال موارد الغاز الطبيعي بشكل أوسع لتلبية احتياجات الإقليم أو العراق من الكهرباء، وتقليل الاعتماد على واردات الغاز الإيراني. وأثارت الخطوة اعتراض الحكومة الاتحادية في بغداد، فقد وصفت وزارة النفط العراقية الاتفاقيات بأنها «باطلة»، على خلفية تفسير مفاده بأن «إدارة الثروات الطبيعية تقع ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية فقط»، وهو ما تجادل حكومة الإقليم في صحته دستورياً. ويُعتقد أن قرار وزارة المالية الاتحادية قطع الرواتب عن أربيل جاء ضمن أجواء امتعاض بغداد من «عقود أربيل الأميركية».

إلى ذلك، أكد عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان، آسو فريدون، لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار قطع الرواتب كان متوقعاً، بوصف ذلك إجراء مضاداً لاتفاقية الغاز في حقول «ميران» و«كورده مير» و«توبخانة» في حدود محافظة السليمانية، بين حكومة إقليم كردستان وعدد من الشركات الأميركية، وقال إن «القرار قد يعكس امتعاض إيران كذلك». وقال فريدون لـ«الشرق الأوسط»: «قطع الرواتب قرار جائر وغير قانوني، وهو رد فعل سياسي اتُّخذ دون دراية أو دراسة كافية، ولم يُراعِ البعد الإنساني وتداعياته الكبيرة».

وزير الأوقاف الكردستاني بيشتوان صادق (إكس)

ضغط على بغداد

بدوره، أعلن وزير الأوقاف في كردستان، بشتيوان صادق، الجمعة، أن حكومة الإقليم تبذل مساعي «جدية» على المستويين الدولي والمحلي من أجل معالجة مشكلة رواتب الموظفين. وقال صادق للصحافيين بعد أداء صلاة العيد في أربيل: «قلقون جداً من قرار الحكومة الاتحادية قطع رواتب الموظفين»، وتابع: «دون شك، لا توجد أي حكومة تقرر مثل هذا القرار في العيد».

من جهته، أطلق مجلس نقابة صحافيي كردستان «مبادرة لتأسيس رابطة من ممثلي المنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني في إقليم كردستان للعمل خلال فترة الأزمة للضغط على الحكومة الاتحادية؛ للالتزام بتعهداتها من أجل تحقيق حل عادل وشامل يضمن حقوق شعب الإقليم وفق الدستور العراقي».

وكانت حكومة إقليم كردستان قد قررت توجيه رسالة رسمية إلى المجتمع الدولي للتدخل لحل أزمة الرواتب التي قطعتها بغداد عن الموظفين الأكراد. وقالت الحكومة، في بيان، إن «الرسالة ستشرح لممثلي الدول الأبعاد الدستورية والقانونية والمالية للقضية، وستتضمن الدعوة إلى التنسيق وتقديم الدعم لحل أزمة الرواتب». ورفضت الحكومة في بغداد كل المحاولات والضغوط بشأن إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان قبل العيد، نتيجة خلاف بين وزارة المالية في بغداد وسلطات الإقليم، على خلفية «عدم تسديد ما في ذمة الإقليم من موارد نفطية و(مستحصلات من) منافذ حدودية وجمركية»، وفق الوزارة الاتحادية.


مقالات ذات صلة

السوداني: طريق التنمية سيخلق عراقاً جديداً

المشرق العربي السوداني خلال استقباله وفود العشائر العراقية (وكالة الأنباء العراقية)

السوداني: طريق التنمية سيخلق عراقاً جديداً

أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأحد، أن «لا أحد يفرض على العراق قناعاته، ونؤمن بالشراكة مع دول المنطقة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مستقبلاً قائد «التحالف الدولي» الجنرال كيفن ليهي (أرشيفية - إعلام حكومي)

العراق يجدد الحاجة إلى بقاء التحالف الدولي وسط صمت الفصائل الموالية لإيران

العراقَ «يحتاج إلى دعمٍ لوجيستي وجويّ كبير، لأن ما يمتلكه من إمكاناتٍ غيرِ كافٍ... إنّ بقاء قواتِ التحالفِ الدَّوْلي في البلاد أمرٌ مطلوبٌ وواقعي».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي أزمة رواتب إقليم كردستان تُخيم على العيد في بغداد

أزمة رواتب إقليم كردستان تُخيم على العيد في بغداد

ركَّزت كلمات سياسيين ورجال دين تضمنت شحناً انتخابياً ورسائل سياسية بشأن الخلاف الراهن بين بغداد وأربيل حول رواتب موظفي إقليم كردستان.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد منشأة نفط في إقليم كردستان العراق (إكس)

كردستان: الحكومة الفيدرالية تبيع خام الآخرين باسم النفط العراقي

قالت وزارة الثروات الطبيعية بحكومة إقليم كردستان إن الاتهامات بتهريب النفط من الإقليم «هي محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن عمليات التهريب والفساد... في العراق».

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي أربيل تهدد بتدويل رواتب موظفيها والبرلمان العراقي يدخل على خط الأزمة

أربيل تهدد بتدويل رواتب موظفيها والبرلمان العراقي يدخل على خط الأزمة

بينما دخل البرلمان العراقي على خط أزمة الرواتب بين بغداد وأربيل عاودت وزارة النفط الاتحادية اتهامها للسلطات النفطية في إقليم كردستان بالاستمرار في تهريب النفط.

حمزة مصطفى (بغداد)

حمى البحث عن الآثار السورية وبيعها ارتفعت منذ سقوط الأسد

أطفال يلهون في مدينة تدمر الأثرية في سوريا 25 يناير (أ.ب)
أطفال يلهون في مدينة تدمر الأثرية في سوريا 25 يناير (أ.ب)
TT

حمى البحث عن الآثار السورية وبيعها ارتفعت منذ سقوط الأسد

أطفال يلهون في مدينة تدمر الأثرية في سوريا 25 يناير (أ.ب)
أطفال يلهون في مدينة تدمر الأثرية في سوريا 25 يناير (أ.ب)

أدّى انهيار جهاز الأمن السوري بعد سقوط نظام الأسد، وانتشار الفقر، إلى ارتفاع حمى البحث عن «الذهب»، سواء بمعناه المباشر أم بمعناه الاستعاري. سوريا التي تقع حيث نشأت الحضارة المستقرة، تزخر بالفسيفساء والتماثيل والقطع الأثرية التي تُباع بأسعار مرتفعة لدى هواة جمع الآثار في الغرب، وكانت موقع نهب لآثارها منذ عام 2012، بحسب تحقيق لصحيفة «الغارديان» البريطانية.

ووفقاً لمشروع أبحاث الاتجار بالآثار وأنثروبولوجيا التراث (ATHAR)، الذي يحقق في الأسواق السوداء للآثار عبر الإنترنت، فإن ما يقرب من ثلث الحالات السورية، البالغ عددها 1500 حالة، وثّقه المشروع منذ عام 2012، وجرى منذ ديسمبر (كانون الأول).

تمثالان لملكين من سوريا يعودان إلى النصف الأول للألفية الثانية قبل الميلاد (جامعة توبنغن الألمانية)

ويُنفّذ كثير من عمليات النهب أفرادٌ يائسون من تحصيل المال، على أمل العثور على عملات معدنية أو آثار قديمة، يُمكنهم بيعها بسرعة. وفي دمشق، يكشف التقرير أنه انتشرت في المتاجر أجهزة الكشف عن المعادن، بينما تُظهر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمين وهم يكتشفون كنوزاً مخفية بنماذج مثل جهاز «XTREM Hunter»، الذي يُباع بالتجزئة بأكثر من 2000 دولار أميركي.

وقفة أمام المتحف الوطني بدمشق للمطالبة بحماية الآثار السورية ومواجهة عمليات التنقيب غير الشرعي في فبراير الماضي (سانا)

يقول محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة «تراث من أجل السلام» غير الحكومية: «يأتون ليلاً مسلحين بالمعاول والمجارف والمطارق، ويُزعج اللصوص الموتى. وتحت جنح الظلام، ينبش الرجال قبوراً دُفنت منذ أكثر من ألفي عام في مدينة تدمر السورية القديمة، بحثاً عن الكنز».

ويتابع الناشط: «في النهار، يكون الدمار الذي أحدثه لصوص القبور واضحاً. تُشوّه حفر بعمق 3 أمتار معالم تدمر، حيث تجذب سراديب الدفن القديمة الناس بوعود الحصول على ذهب جنائزي وقطع أثرية قديمة تُباع بآلاف الدولارات».

وبينما كان يقف على بقايا سرداب قديم نبشه اللصوص، قال فارس لمراسل الصحيفة: «هذه الطبقات المختلفة مهمة، وعندما يخلطها الناس معاً، يستحيل على علماء الآثار فهم ما ينظرون إليه». والتقط قطعة فخار محطمة تركها لصوص القبور ووضعها بجانب زعنفة قذيفة هاون صدئة. تعرّضت مدينة تدمر، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لأضرار جسيمة خلال فترة سيطرة تنظيم «داعش»، عندما فجّر مسلحون أجزاءً من الموقع الأثري عام 2015، معتبرين آثاره أصناماً.

وتدمر ليست الموقع الأثري الوحيد المُهدد. يقول خبراء ومسؤولون إن نهب الآثار السورية والاتجار بها قد ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر (تشرين الأول)، ما زاد من الخطر على تراث البلاد.

كنيسة القديس سمعان شمال غربي حلب كما بدت في 8 مارس 2023 تعرضت للدمار خلال الحرب (أ.ب)

يقول عمرو العظم، أستاذ تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط في جامعة شوني ستيت بولاية أوهايو، والمدير المشارك لمشروع «آثار»: «عندما سقط نظام الأسد، شهدنا طفرة هائلة في أعمال النهب. كان ذلك انهياراً تاماً لأي قيود ربما كانت قائمة في عهد النظام، وكانت تتحكم في عمليات النهب».

من جهتها، أفادت كاتي بول، المديرة المشاركة لمشروع «آثار» ومديرة مشروع الشفافية التقنية: «شهدت الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية أكبر موجة تهريب للآثار رأيتها في حياتي، من أي بلد». تتابع: «نشهد الآن أسرع عملية بيع للقطع الأثرية شهدناها على الإطلاق. على سبيل المثال، كان بيع فسيفساء من الرقة يستغرق عاماً كاملاً، الآن، تُباع الفسيفساء في غضون أسبوعين».

وتتابع بول، بالتعاون مع العظم، مسار تهريب الآثار الشرق أوسطية عبر الإنترنت، وقد أنشأت قاعدة بيانات تضم أكثر من 26,000 لقطة شاشة ومقطع فيديو وصورة توثق عمليات تهريب الآثار التي يعود تاريخها إلى عام 2012.

يلفت تحقيق «الغارديان» إلى أن الحكومة السورية الجديدة حثّت اللصوص على التوقف عن الحفر، وعرضت مبالغ لمن يُسلم الآثار بدلاً من بيعها، وهدّدت المخالفين بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً. لكن دمشق، المنشغلة بإعادة بناء بلد مُدمّر، وتكافح لفرض سيطرتها، لا تملك سوى موارد محدودة لحماية تراثها الأثري.

قطعة آثار سورية عرضت للبيع على «فيسبوك» في أبريل الماضي (منظمة آثار)

في عام 2020، حظر «فيسبوك» بيع الآثار التاريخية على منصته، وأعلن أنه سيزيل أي محتوى ذي صلة. ومع ذلك، وفقاً لبول، نادراً ما تُطبق هذه السياسة، على الرغم من توثيق عمليات البيع المستمرة على المنصة جيداً. وتتابع: «الاتجار بالممتلكات الثقافية أثناء النزاعات جريمة». وأضافت أنها تتابع عشرات مجموعات تجارة الآثار على «فيسبوك» التي تضم كل منها أكثر من 100 ألف عضو، وأكبرها يضم نحو 900 ألف عضو.

ورفض ممثل عن «ميتا»، الشركة الأم لـ«فيسبوك»، الردّ على طلب صحيفة «الغارديان» للتعليق. وتُستخدم مجموعات «فيسبوك» كبوابة للمتاجرين، حيث تربط لصوصاً صغاراً في سوريا بشبكات إجرامية تُهرّب القطع الأثرية خارج البلاد إلى الأردن وتركيا المجاورتين. ومن هناك، تُشحن القطع حول العالم لإصدار فواتير بيع ومصادر مزورة، ليتم غسلها في السوق السوداء للآثار. وبعد 10 إلى 15 عاماً، تجد طريقها إلى دور المزادات القانونية، حيث يقتنصها جامعو الآثار والمتاحف، التي تقع في الغالب في الولايات المتحدة وأوروبا.

OSZAR »