توافق جديد بين حكومة الكونغو الديمقراطية والمتمردين على العمل بشأن التوصل لهدنة في أقرب وقت، بعد أشهر من التصعيد غير المسبوق في التوتر بين الجانبين منذ 2021، عقب لقاء مباشر جمعهما في الدوحة التي تقود وساطة جديدة تنضم لأخرى أفريقية.
ذلك التطور اللافت يحمل مخاوف من تكرار توافقات لا تكتمل للنهاية منذ عام 2021، ويرى خبراء بالشأن الأفريقي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه يقود المفاوضات المحتملة لتفاهمات لا تخلو من تهديدات مستقبلية بالانهيار، وخاصة أن تلك الأزمة معقدة ومرتبطة بتدخلات، لا سيما من رواندا المتهمة بدعم حركة «إم 23» المتمردة.
وتجدد النزاع الذي يعود إلى نحو 3 عقود، بشكل لافت في يناير (كانون الثاني) الماضي مع شنّ المتمردين الذين تقودهم عرقية «التوتسي» والمدعومين من رواندا، هجوماً في شرق الكونغو الديمقراطية، حيث سيطروا على مدينة غوما؛ ثانية كبرى مدن شرق الكونغو الديمقراطية وعاصمة إقليم شمال كيفو الذي يضم مناجم للذهب والقصدير، وكذلك مدينة بوكافو الاستراتيجية؛ كبرى مدن شرق الكونغو وعاصمة إقليم جنوب كيفو.
وكان ذلك أكبر توسع للحركة المتمردة في الأراضي الخاضعة لسيطرتها منذ بدء أحدث تمرد لها في عام 2022، وبعد صعود وهبوط في المواجهات التي تصاعدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في حين تعد حركة «إم 23» من بين نحو 100 جماعة مسلحة تتناحر للحصول على موطئ قدم في شرق الكونغو الغني بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم، إلى جانب معادن أخرى، والقريب من الحدود مع رواندا.
وأعربت حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «إم 23» التي يقاتل عناصرها ضد قوات الحكومة في شرق البلاد، عن رغبتهما في التوصل إلى «وقف لإطلاق النار» إثر محادثات جرت بوساطة قطرية، وذلك بحسب بيان مشترك نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.
وتضمن البيان أنه «بعد مناقشات صريحة وبنّاءة، اتفق ممثلو جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف القوى من أجل التغيير (حركة إم 23) على العمل نحو التوصل إلى هدنة». وأبدى الطرفان رغبتهما في التوصل إلى وقف فوري للأعمال العدائية، مؤكدين عزمهما على احترامه «فوراً» و«طوال مدة المحادثات وحتى اختتامها».
ولم تقدم قطر رسمياً تفاصيل بشأن رعايتها للمحادثات ومدتها، غير أن الدوحة استضافت مطلع أبريل (نيسان) الحالي محادثات «سرية» بين المتمردين ومسؤولين بالكونغو، وفق «رويترز». في حين تأجَّلت محادثات علنية بعدها بأيام. وبينما لم يتضح سبب تأجيل الاجتماع، قال مسؤول كونغولي إنها «مسألة تنظيمية ليس إلّا».
وأكد وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه جان باتريك ندوهونغيره، في تصريحات نقلتها «الجزيرة» القطرية، منتصف أبريل الجاري، أن المحادثات التي انطلقت بالدوحة في 18 مارس (آذار) الماضي، بلقاء جمع الرئيس الرواندي بول كاغامي، ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، قد «أحرزت تقدماً كبيراً نحو إحلال السلام في شرق الكونغو».
ويبدو أن التحرك القطري، بحسب نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، حقق قدراً من النجاح، خاصة بلقاءات مباشرة بين الرئيسين الرواندي والكونغولي، والتي كانت تبدو مستحيلة، ومفاوضات مباشرة بين الحكومة والمتمردين، موضحاً أن هذه خطوة إيجابية لإمكانية التوصل لاتفاق وقف النار، وصيغة تنهي الأزمات وتستوعب الحركة في إطار تعاون وتفاهمات.
ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، أن «هذا الإعلان يمثل اختراقاً كبيراً في أزمة ظلت تراوح مكانها على مدى عقود من الزمان»، مؤكداً أن تلك الخطوة قد تقود لتفاهمات حقيقية لو توفرت النيات نحو حل حقيقي، وخاصة أن هناك حرصاً أفريقياً ودولياً على إنهاء تلك الأزمة في أقرب وقت.
وجاء البيان المشترك عقب محادثات الدوحة بعد نحو أسبوع من مناقشة الرئيس التوغولي فور غناسينغبي، مع نظيره بالكونغو فيليكس تشيسيكيدي، تطورات حل الأزمة مع المتمردين، خلال لقاء في كينشاسا، ضمن إطار مهمته الجديدة بوصفه وسيطاً للاتحاد الأفريقي، وذلك عقب زيارة قام بها إلى أنغولا (الرئيس السابق للوساطة الأفريقية منذ 2022).
وفشلت أنغولا، مارس الماضي، في جمع حكومة الكونغو وحركة «إم 23» لإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار، بعد إعلان الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على قادة بالحركة ومسؤولين روانديين، وتلا ذلك محادثات الدوحة.
ولا تزال الولايات المتحدة تراهن على إنهاء النزاع الحالي وتحييد التدخلات الخارجية المحاصرة لفرص إتمام اتفاق، وأكد المستشار الأميركي الأول للشؤون الأفريقية ماساد بلس، ونائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية كورينا ساندرز، في إحاطة صحافية قبل أسبوع، أن تدخّل رواندا العسكري في شرق الكونغو الديمقراطية يُعدّ «غير مقبول، وسبباً رئيسياً لعدم الاستقرار»، مشيراً إلى أن «ما كانت جماعة (إم 23) لتصبح القوة العسكرية التي هي عليها (اليوم) من دون دعم خارجي، ولا سيما من رواندا»، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
ومنذ 2021، أُقرّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة في شرق الكونغو الديمقراطية الغني بالموارد الطبيعية، والذي يشهد نزاعات منذ مدة طويلة. وباءت بالفشل كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع.
ويعتقد حليمة أن الموقف الرواندي سيكون له أثر في الموقف النهائي للحركة المتمردة، والضغوط الإقليمية والدولية والدور الذي ستلعبه الدوحة على «أمل تحقيق ضوء في نهاية النفق، وذلك في فترة ليست بقليلة».
وفي رأي أبو إدريس، فإنه «من الواضح أن مفاوضات الدوحة كان خلفها لاعبون دوليون وليست قطر وحدها، وغالباً كانت الولايات المتحدة الأميركية التي تعد قطر حليفاً لها، لكن تظل المخاوف قائمة ما لم يتم إدخال اللاعبين الإقليميين، خاصة أوغندا وبوروندي وأنغولا، في صورة التسوية»، داعياً إلى توسيع أطراف المحادثات لعدم انهيارها لاحقاً.