العلاقات الجزائرية - الفرنسية تتأرجح بين الانفراج والتصعيد السياسي

استقبال رئيس «ماك» بمجلس الشيوخ في باريس يثير سخطاً كبيراً

الرئيس الجزائري يستقبل رجل الأعمال الفرنسي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري يستقبل رجل الأعمال الفرنسي (الرئاسة الجزائرية)
TT

العلاقات الجزائرية - الفرنسية تتأرجح بين الانفراج والتصعيد السياسي

الرئيس الجزائري يستقبل رجل الأعمال الفرنسي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري يستقبل رجل الأعمال الفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

بينما ظهرت بوادر جديدة لإنهاء التوترات بين الجزائر وباريس من بوابة الشراكات الاقتصادية، عبّر «مجلس الأمة» الجزائري عن سخط شديد من استقبال رئيس «حركة انفصالية مصنّف على لائحة الإرهاب»، من جانب عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي ينتمي لليمين المتشدد.

ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الجزائر وفرنسا بصدد البحث عن مدخل لاستئناف الحوار، في ظل القطيعة التي تطبع علاقاتهما منذ أحد عشر شهراً، وذلك بعد استقبال الرئيس عبد المجيد تبون شخصية فرنسية بارزة من عالم المال والأعمال، معروف بقربه من الرئيس إيمانويل ماكرون.

وعقد الرئيس الجزائري الاثنين في مقر الرئاسة، لقاء مع رئيس مجموعة النقل البحري التجارية الفرنسية العالمية «سي إم آي سي جي إم» رودولف سعادة، برفقة وزير النقل سعيد سعيود ومدير الديوان بالرئاسة بوعلام بوعلام، حسبما أعلن عنه بيان للرئاسة الجزائرية دون إعطاء تفاصيل عن مضمون محادثات اللقاء الذي يحمل دلالات سياسية في عزّ التوترات التي تمر بها العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة.

رودولف سعادة المدير العام التنفيذي لمجموعة «سي إم آي سي جي إم» في 5 سبتمبر 2019 (أ.ف.ب)

وصرّح سعادة للتلفزيون العمومي الجزائري بأنه بحث مع تبون «مشروعات تعمل عليها مجموعتنا، ونأمل أن نحرز تقدماً فيها... نحن نؤمن بقوة بإمكانيات التنمية في الجزائر، وأعتقد أن هناك قدرات حقيقية في مجالات عديدة». وأضاف: «سنسعى لتجاوز القيود التشغيلية للمضي قدماً في الاتجاه الصحيح»، في إشارة إلى تحديات لوجيستية مطروحة في الجزائر.

ومع أنه لم يفصح عن طبيعة المشاريع التي تشتغل عليها مجموعته في الجزائر، فإن المعروف أن الجزائر تسعى إلى تطوير وتحديث بنيتها التحتية المينائية من أجل تقليص أوقات انتظار السفن في الموانئ، وتعزيز صادراتها خارج قطاع المحروقات.

رودولف سعادة متحدثاً للصحافيين في سبتمبر 2019 إلى جانب إحدى الحاويات التي تمتلكها مجموعته (أ.ف.ب)

ويعدّ سعادة من المقربين لدى الرئاسة الفرنسية، وقد رافق الرئيس إيمانويل ماكرون في الزيارة التي قادته إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وكثيراً ما يستشيره بخصوص الشراكات الفرنسية مع دول أجنبية، حسب ما ذكره الإعلام الفرنسي.

وبحكم استقباله من طرف الرئيس تبون، فإن تساؤلات طرحت في الجزائر حول احتمال أن يؤدي رجل الأعمال البارز دوراً في إيجاد مدخل لترميم العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن سياسيين فرنسيين أطلقوا خطوات بهذا الخصوص لكن لم يكن لها أي أثر ملموس. وبكلام آخر، يُعتقد أن رودولف سعادة يؤدي دوراً غير معلن يخص فتح قناة تواصل غير مباشرة بين العاصمتين، في وقت يبدو فيه أن القنوات الدبلوماسية التقليدية قد انسدت.

على نقيض بصيص الأمل الذي حمله لقاء رجل الأعمال الفرنسي مع أبرز المسؤولين الجزائريين، ندد «مجلس الأمة» الجزائري (الغرفة البرلمانية العليا) في بيان الثلاثاء، باستقبال خصصه عضو بمجلس الشيوخ الفرنسي عن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، لفرحات مهني، رئيس ما يعرف بـ«حركة الحكم الذاتي لمنطقة القبائل»، يوم 29 مايو (أيار) الماضي بمقر المجلس. ويعرف التنظيم اختصاراً بـ«ماك».

زعيم ماك (الرابع على اليمين) لدى استقباله في مجلس الشيوخ الفرنسي (متداولة)

وجاء في البيان أن أعضاء مكتب «مجلس الأمة» ورئيسه عزوز ناصري، «تابعوا بامتعاض شديد واستهجان بالغ الانزلاق الخطير والاستفزاز المتكرر والمقصود من بعض الأطراف داخل مجلس الشيوخ الفرنسي تجاه الأمة الجزائرية، لا سيما من أولئك المحسوبين على اليمين المتطرف، الذي طالما كان مصدر توتر في مسار العلاقات الجزائرية - الفرنسية»، من دون ذكر ما يقصده بالتحديد، لكن يفهم بأن البيان يوحي بأن زيارة مهني إلى مقر مجلس الشيوخ واستقباله من طرف ستيفان رافييه عضو المجلس عن «التجمع الوطني». ونشر مهني بعد هذا اللقاء فيديو ظهر معه البرلماني الفرنسي، مؤكداً أنهما تناولا شؤون «حكومة القبائل في المنفى» التي يترأسها مهني.

وأفاد بيان «مجلس الأمة» بأن رموز اليمين الفرنسي المتطرف «ما فتئوا يفتحون أبوابهم لعناصر إرهابية تنتمي إلى كيان مصنّف رسمياً منظمةً إرهابية، في مشهد يرسم بوضوح حجم التواطؤ والانحطاط، دون اكتراث بما يلحق بالعلاقات بين البلدين من ضرر بالغ وتشويه عميق».

أعضاء في مجلس الأمة الجزائري (إعلام المجلس)

والمعروف أن الحكومة الجزائرية وضعت «ماك» ضمن لائحة تضم منظمات وأسماء تصفهم بـ«الإرهاب»، يوجد من بينهم مهني وعناصر من هذا التنظيم ومن تنظيم آخر يسمى «رشاد»، غالبية أعضائه لاجئة في الغرب. وقد صدرت مذكرات اعتقال دولية ضدهم بمن فيهم مهني الذي يستفيد من وضع لاجئ سياسي بفرنسا.

وأكد بيان «مجلس الأمة» أيضاً أنه «يرفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن الجزائري (...) والجزائر لن تتسامح مع أي محاولة، خبيثة كانت أم مغلّفة بادعاءات حقوقية، للمساس باستقرارها أو التشويش على مسارها الوطني. ولن تقبل أي انزلاق من شأنه أن يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية». وقال إن «الجزائر الرسمية تحمّل بكل وضوح، أولئك الذين لا يطرف لهم جفن، مسؤولية أي تدهور قد يصيب صميم العلاقات الجزائرية - الفرنسية، وتؤكد أن زمن الإملاءات قد ولّى، وأنّ منطق الاحترام المتبادل وحده هو ما يضمن استمرار العلاقات بين الدول».

البرلمان الفرنسي خلال تصويته ضد إلغاء اتفاق الهجرة الجزائري - الفرنسي (صورة أرشيفية لجلسة عامة بالجمعية الوطنية)

وتشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر، منذ اعتراف باريس بمغربية الصحراء في نهاية يوليو (تموز) 2024، أزمة غير مسبوقة، بسبب خلافات متواصلة حول الذاكرة الاستعمارية، وقضايا الهجرة، وغياب التنسيق الدبلوماسي.

وقد جاءت قضية اختطاف «أمير دي زاد» في ضواحي باريس نهاية أبريل (نيسان) 2024 لتُفجّر آخر محاولات التهدئة. وقد بلغت الأزمة حدّاً دفع البلدين إلى استدعاء سفيريهما، وطرد ما يقرب من 30 دبلوماسياً من الطرفين بشكل متبادل.


مقالات ذات صلة

بعد طول توتر... بوادر تقارب بين الجزائر وفرنسا

شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «مجموعة السبع» في إيطاليا - 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

بعد طول توتر... بوادر تقارب بين الجزائر وفرنسا

بعد عام من التوتر غير المسبوق، تتجه الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا نحو تهدئة محتملة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية (متداولة)

أحكام قضائية ضد قياديين في «جبهة الإنقاذ» الجزائرية

قضت محكمة الجنايات في العاصمة الجزائرية بالسجن النافذ على قياديين في حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائري لمدد تتراوح بين 3 سنوات والمؤبد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش خلال زيارة جناح وزارة الدفاع بمعرض الجزائر الدولي (وزارة الدفاع)

الجزائر تزيح الستار عن جيل جديد من المعدات العسكرية

كشف الجيش الجزائري عن منتجات حربية ومعدات عسكرية جديدة خلال التظاهرة السنوية «معرض الجزائر العاصمة الدولي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال (متداولة)

الجزائر: النيابة العامة تلتمس 10 سنوات سجناً للكاتب صنصال

التمست النيابة بمحكمة جزائرية، الثلاثاء، السجن 10 سنوات مع التنفيذ ضد الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، الذي أثار أزمة سياسية حادة مع فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عربية صورة لـ«ملعب 5 جويلية» وهو مكتظ قبل انطلاق مباراة السبت (حسابات مشجعين)

أنباء عن تأجيل نهائي كأس الجزائر بعد مأساة 5 يوليو

تواترت أنباء عن تأجيل موعد نهائي مسابقة كأس الجزائر المقرر بين شباب بلوزداد حامل اللقب وجاره اتحاد الجزائر، على خلفية وفاة 3 أشخاص وإصابة العشرات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«الدعم السريع»: لم نتلقَّ أي اتصالات لهدنة في الفاشر ولن نلتزم بها

عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (أرشيفية - تلغرام)
عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (أرشيفية - تلغرام)
TT

«الدعم السريع»: لم نتلقَّ أي اتصالات لهدنة في الفاشر ولن نلتزم بها

عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (أرشيفية - تلغرام)
عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (أرشيفية - تلغرام)

قالت «قوات الدعم السريع» إنها لم تبلّغ رسمياً من أي جهة بطلب هدنة إنسانية في مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) التي تسعى إليها جهات دولية متعددة، لإيصال الإغاثة إلى الآلاف من المدنيين المحاصرين هناك، والمهددين بمجاعة محدقة.

يأتي هذا الرد بعد يوم من موافقة رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على هدنة إنسانية في المدينة لمدة أسبوع، بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

وقال المستشار القانوني لـ«قوات الدعم السريع»، محمد المختار النور، لــ«الشرق الأوسط»، إن قواته لن تقبل بأي هدنة لوقف إطلاق النار، جزئية كانت أو غيرها، في الفاشر أو المناطق الأخرى. وأضاف أن «قوات الدعم السريع» لم تتلقَّ أي اتصال رسمي من الأمم المتحدة، أو الولايات المتحدة، كما يتردد، بشأن خطة الهدنة المعلنة. وأشار إلى أن مدينة الفاشر أصبحت خالية بعد أن غادرها آلاف المدنيين إلى مناطق «طويلة» و«كرمة» و«جبل مرة»، وأن الموجودين في الفاشر مقاتلون يتبعون الجيش السوداني والقوات المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة معه.

المستشار القانوني لـ«قوات الدعم السريع» محمد المختار النور (الشرق الأوسط)

وقال المختار إن «قوات الدعم السريع» لن تقبل إلا بوقف إطلاق نار شامل، مرتبط بعملية سياسية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة في السودان من جذورها.

دعوة غوتيريش

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قال، الجمعة، إنه يجري اتصالات مع الأطراف المتحاربة في السودان بهدف الوصول إلى هدنة إنسانية تُمكّن من معالجة الوضع المأساوي في مدينة الفاشر. وأضاف: «تلقيت رداً إيجابياً من الجنرال البرهان، وآمل أن يدرك الجانبان مدى أهمية تجنب الكارثة التي نشهدها في الفاشر». وأكد غوتيريش ضرورة تأمين هدنة لتوزيع المساعدات، وأن يتم الاتفاق عليها مسبقاً بهدف «إعداد عملية توصيل ضخمة للمساعدات» في منطقة الفاشر.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا إلى هدنة إنسانية في الفاشر (أ.ف.ب)

وتؤوي الفاشر بحسب آخر إحصائية نحو نصف مليون مواطن، ونزح إليها عشرات الآلاف من الفارين منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وظلوا يقيمون في معسكرات «أبو شوك، وزمزم، والسلام». وتعاني المدينة ومخيمات النازحين حولها من نقص كبير في الإمدادات الغذائية ومياه الشرب والرعاية الصحية، ما أدَّى إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين إلى مناطق في شمال الإقليم. وأفادت وكالات الإغاثة العاملة في المنطقة بأن أكثر من 70 في المائة من سكان الفاشر بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرةً إلى تسجيل حالات وفاة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب الجوع والعطش ونقص الرعاية الصحية.

إنذار أميركي

بدورها قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر «جماعة محلية»، إن «قوات الدعم السريع» صعدت من هجماتها مستهدفة أحياء سكنية ومراكز إيواء المدنيين، في الوقت الذي أبدت فيه العديد من الجهات الدولية والمحلية ترحيبها بالهدنة المعلنة. وأضافت في بيان على موقع «فيسبوك»: «تعرضت أحياء مكتظة بالسكان تؤوي آلاف النازحين لقصف مدفعي مكثف عنيف، أسفر عن وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة». وأشارت إلى أن «وتيرة القصف مستمرة منذ وقت باكر السبت، في تحدٍ سافر لدعوات وقف إطلاق النار، لتخفيف معاناة المدنيين، ما يؤكد أن (الدعم السريع)، لن تلتزم بأي اتفاقيات دولية في سبيل فرض واقع عسكري بالقوة».

وكانت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، قالت في جلسة لمجلس الأمن، الجمعة، إنها منحت أطراف النزاع في السودان مهلة 72 ساعة للاستجابة لإيصال المساعدات الإنسانية، ورفع العراقيل البيروقراطية التي تؤخر وصول الإمدادات. وأضافت: «يجب على الأطراف فتح كل المعابر داخل السودان، بما في ذلك الحدود مع جنوب السودان وإلى إقليم دارفور».

مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا (رويترز)

وطالبت بمنح الجهات الإنسانية التأشيرات خلال أسبوع من طلبها. كما شددت على إخضاع المجموعة التي تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية للمساءلة. ودعت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، للإسراع في تشكيل فريق الخبراء لمواصلة التحقيقات الضرورية في السودان.

وأصدر مجلس الأمن الدولي، في يونيو (حزيران) الماضي، قراراً بفك الحصار عن الفاشر، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» لأكثر من عام. وتعد الفاشر المعقل الأخير الذي يسيطر عليه الجيش السوداني، فيما تفرض «قوات الدعم السريع»، بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» سيطرتها على 4 ولايات في الإقليم الذي يقع غرب البلاد.

OSZAR »