اتصالات ولقاءات مصرية إيرانية عززها التصعيد الإسرائيلي على طهران تُبرز تقارباً في المواقف والعلاقات التي تقف دون مستوى السفير منذ عقود.
تلك التحركات التي شهدت اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان، لتأكيد «رفض التصعيد الإسرائيلي تجاه طهران»، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأكيداً لما سبق من تصاعد في التقارب من قبل هجمات حكومة بنيامين نتنياهو على الأراضي الإيرانية، وأخذت في التصاعد بعد الهجوم دون أن يكون موقف القاهرة مرتبطاً بالتوترات الحالية مع إسرائيل.
وأجرى السيسي اتصالاً هاتفياً مع بزشكيان، أعرب خلاله عن «رفض مصر الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران، لما يمثله من تهديد لأمن واستقرار الشرق الأوسط في وقتٍ بالغ الدقة تشهد فيه المنطقة أزمات مُتعددة ومُتفاقمة»، مؤكداً «الأهمية التي توليها مصر لوقف إطلاق النار بشكل فوري، وبما يسمح باستئناف المفاوضات بهدف التوصل لحل سلمي مُستدام لهذه الأزمة».
من جانبه، حرص الرئيس الإيراني على «توجيه الشكر للرئيس السيسي، مثمناً المواقف المصرية الحكيمة الهادفة لاستعادة الاستقرار بالشرق الأوسط، بما يحقن دماء الأطراف كافة»، وفق بيان للرئاسة المصرية، مساء السبت.
وسبق ذلك الموقف اللافت، من جانب السيسي، اتصالات هاتفية متكررة من جانب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، طيلة الأيام الماضية مع نظيره الإيراني، عباس عراقجي، أكدت «رفض التصعيد الإسرائيلي وبحث سبل التهدئة بالمنطقة»، بخلاف لقاء جمع عبد العاطي وعراقجي أخيراً في إسطنبول على هامش اجتماع وزراء دول منظمة التعاون الإسلامي.
وامتد الموقف الرسمي بمصر لنظيره الشعبي، وأثارت مطاعم مصرية موجة من التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد تقديمها دعاية رمزية تحمل دلالات سياسية، فُسّرت على نطاق واسع على أنها رسالة تضامن مع إيران في ظل حربها مع إسرائيل، وسط انتقاد إسرائيلي.
وكان أبرز المواقف من مطعم «أبو طارق»، الشهير في تقديم الوجبة المصرية الشعبية الأولى «الكشري»، والذي روّج لمكونات الطبق التقليدي على هيئة صاروخ يستعد للانطلاق، بصورة عبر صفحته على «فيسبوك»، معلّقاً عليها: «قريباً في الأسواق»، وأعاد الصحافي الإسرائيلي، روعي كايس، الذي يعمل في الهيئة العامة للبث الإسرائيلي، نشر الصورة على منصة «إكس»، معلّقاً عليها: «يبدو أن مطعم (أبو طارق)... الكشري المحبوب في القاهرة قد دخل الحرب بين إسرائيل وإيران».
وبعد يومين من استهداف إسرائيل لإيران، وافق مجلس العاصمة الإيرانية طهران، في 15 يونيو (حزيران) الجاري، على تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي، الذي اغتال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981.
عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، يرى أن «التصعيد الإسرائيلي تجاه إيران يزيد من حرص مصر على التدخل الإقليمي لدى جميع الأطراف من أجل استعادة الهدوء والاستقرار في المنطقة، خاصة أن هذا التصعيد يقود لمخاطر غير مسبوقة»، لافتاً إلى أن اتصالات القاهرة شأنها شأن دول الخليج ومختلف دول العالم لاحتواء هذا المشهد حتى لا تزداد تعقيداته.
بالمقابل، يرى رئيس «المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية»، الدكتور محمد محسن أبو النور أن «الحرب الإسرائيلية على إيران تساهم في تقريب العلاقات بين القاهرة وطهران أكثر من أي وقت مضى منذ انقطاعها عام 1979، ودليل ذلك أن إيران غيرت اسم شارع خالد الإسلامبولي في خضم تلك الحرب، أي بعد يومين من اشتعالها». وقال إن «هذه المكالمة المهمة من السيسي تعني بوضوح أن مصر اختارت الانحياز إلى إيران والوقوف في وجه التطرف الإسرائيلي الإقليمي».
يأتي هذا الزخم بين طهران والقاهرة، بعدما شهدت العلاقات انفراجة ملحوظة مع زيارة عراقجي إلى القاهرة، في أوائل الشهر الحالي، حيث التقى السيسي وكبار المسؤولين المصريين، وتضمنت الزيارة جولة رمزية لعراقجي في منطقة خان الخليلي التاريخية بالقاهرة، حيث أدى صلاة المغرب في الحسين، وتناول العشاء بمطعم نجيب محفوظ، والتقى ثلاثة من وزراء الخارجية السابقين عمرو موسى، ونبيل فهمي، ومحمد العرابي.
وبرأي عراقجي، في منشور أخيراً عبر حسابه على منصة «إكس»، فإنه «بعد سنواتٍ طويلة، دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلة جديدة على مستوى التفاعل والتعاون السياسي، والأهم من ذلك مستوى الثقة والاطمئنان في العلاقات بين البلدين غير المسبوق، باعتبارهما قوتين فاعلتين في المنطقة، ومتمتعتين بثقافتين وحضارتين عريقتين، وتتحمل إيران ومصر مسؤولية مشتركة في الحفاظ على السلام والاستقرار والهدوء في المنطقة».
وقال عراقجي في لقاء متلفز مع قناة «القاهرة الإخبارية» أخيراً: «إذا كانت العلاقات السياسية قائمة بالفعل بين البلدين، فإن ما لم يكن متوقعاً هو هذا المستوى المتقدم من التعاون بيننا، وما تبقى الآن هو مسألة تبادل السفراء، وأعتقد أن هذا الأمر سيتم في الوقت المناسب».
وكان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، قبل أن تُستأنف بعد 11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال.
وشهد العام الماضي لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين، وتطوّر ذلك في مايو (أيار) من العام نفسه بتوجيه رئاسي إيراني لوزارة الخارجية في طهران باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر.
حجازي أكد أن كل مؤشرات التقارب بين القاهرة وطهران حقيقية، لكن ليست مرتبطة بالتصعيد الإسرائيلي، متوقعاً استمرار العلاقات المصرية - الإيرانية من أجل تعزيز مصالح واستقرار وأمن المنطقة. فيما يرى أبو النور أن «مصر وإيران اختارتا في هذه اللحظة الفارقة تحمل المسؤولية كاملة أمام الأجيال التالية، والتصدي لمخطط يهدف إلى هدم الدول الوطنية».