اقترح بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية إغلاق السفارة في العاصمة الصومالية مقديشو إجراءً وقائياً بعد التقدم الأخير الذي أحرزه مقاتلو «حركة الشباب».
كشف مسؤولون مطلعون على المناقشات الداخلية في الصومال، أن المكاسب الأخيرة التي حققتها حركة تمرد هناك دفعت بعض مسؤولي وزارة الخارجية إلى اقتراح إغلاق السفارة الأميركية في مقديشو، وسحب غالبية الموظفين الأميركيين، إجراءً أمنياً وقائياً.
مع ذلك، يخشى مسؤولون آخرون في إدارة ترمب، خصوصاً في مجلس الأمن القومي، من أن يؤدي إغلاق السفارة إلى تراجع الثقة في الحكومة المركزية الصومالية، وبالتالي إلى انهيار سريع عن غير قصد. وبدلاً من ذلك، يرغب هؤلاء المسؤولون في زيادة وتكثيف العمليات الأميركية في البلاد التي مزقتها الحرب لمجابهة «حركة الشباب»، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الجمعة.
تتأجج هذه المخاوف بسبب ذكريات كوارث السياسة الخارجية السابقة، مثل هجوم 2012 الذي شنّه مسلحون إسلاميون سيطروا على البعثة الأميركية في بنغازي بليبيا، والانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية مع انسحاب القوات الأميركية في 2021.
كذلك، يبرِز هذا التوجه المعضلة الأوسع التي تواجهها إدارة ترمب وهي تحدد استراتيجيتها الخاصة بالصومال، الدولة غير المستقرة التي تسودها الفوضى وتعاني انقسامات قبلية معقدة، حيث خاضت الولايات المتحدة حرباً محدودة ضد الإرهاب لنحو عقدين من الزمن دون إحراز تقدم كبير.
يبدو أن هذه الاعتبارات تدفع سيباستيان غوركا، مستشار ترمب الأول لمكافحة الإرهاب، الذي يتبنى نهجاً متشدداً من استخدام القوة ضد المتشددين، نحو مواجهة المزيد من العناصر الانعزالية في تحالف ترمب. هذه المجموعة، التي سئمت من «الحروب الأبدية» التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، لا ترى مصلحة كبرى للولايات المتحدة في الصومال.
وعقد غوركا الأسبوع الماضي اجتماعاً بين الوكالات في البيت الأبيض لبدء مناقشة الوضع والتوصل إلى نهج محدد، وفقاً لمسؤولين اطلعوا على نتائج الاجتماع وتحدثوا شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم لمناقشة أمور حساسة. وانتهى الاجتماع دون التوصل إلى أي قرار واضح.
خلال فترات تولى فيها قيادة البلاد رؤساء من كلا الحزبين، اتبعت الولايات المتحدة سياسة دعم الحكومة الصومالية الضعيفة من خلال تدريب وحدات مختارة من قواتها الخاصة وتجهيزها، المعروفة باسم «داناب»، وتوفير الدعم لها باستخدام هجمات بالطائرات المسيَّرة في معاركها ضد «حركة الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة».
تهدف هذه السياسة إلى تمهيد الطريق أمام الحكومة الصومالية للحفاظ على الأمن بنفسها في النهاية، لكن، كما هو الحال في أماكن مثل أفغانستان، لم يحدث ذلك بعد. وتفاقمت الأوضاع وسط تقارير تفيد بأن بعض القوات الصومالية لم تقاتل، وأن الرئيس حسن شيخ محمود قد أبعد ليس فقط أفراداً من القبائل المنافسة ولكن أيضاً بعضاً من مؤيديه. ولم يرد مجلس الأمن القومي أو الـ«بنتاغون» على طلبات التعليق.
من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية، الأربعاء، إن السفارة في مقديشو «ما زالت تعمل بكامل طاقتها»، وأن الوزارة «تراقب وتقيم باستمرار معلومات التهديد وتعدل إجراءاتنا الأمنية وإجراءات العمل وفقاً لذلك».
قالت مورين فاريل، التي كانت تشغل منصب المسؤول الأول عن السياسة الخاصة بأفريقيا في الـ«بنتاغون» في إدارة بايدن، إنه لا يوجد حل عسكري بحت وخالص لوجود «حركة الشباب». ودعت إلى التركيز على المتشددين الخطيرين مع محاولة دفع بقية المجموعة نحو تسويات سياسية.
وأضافت فاريل، التي تشغل الآن منصب نائب رئيس في شركة «فالار سولوشنز» للاستشارات الأمنية: «إذا كنا نفكر في الحد خفض مستوى وجودنا، فيجب أن نستخدم هذا الخفض المحتمل للضغط من أجل تحقيق تقدم حقيقي يتعلق بأهدافنا. هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة كل عقد لنقول بجدية إننا مستعدون للمغادرة ما لم نرَ تغييرات كبيرة».
وقد زاد ترمب، خلال القسم الأكبر من فترته الرئاسية الأولى، من الجهود العسكرية في الصومال، بما في ذلك تخفيف القيود التي كانت مفروضة على هجمات الطائرات المسيرة خلال فترة رئاسة أوباما. مع ذلك خلال الأسابيع الأخيرة من ولايته، غيّر ترمب مساره فجأة وأمر بانسحاب معظم القوات الأميركية من الصومال باستثناء عدد قليل مكلّف حراسة السفارة.
أعاد الجيش نشر قواته في كينيا وجيبوتي المجاورتين، لكنه استمر في إرسال بعضها إلى الصومال في زيارات قصيرة في إطار الدعم المستمر للقوات الصومالية التي تدربها الولايات المتحدة وتجهزها. في 2022، بعد شكوى القادة العسكريين من أن الدخول والخروج من الصومال يشكل خطراً لا داعي له، سمح الرئيس جو بايدن بعودة الجيش إلى عمليات الانتشار طويلة الأجل هناك.
بحسب القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، يوجد حالياً ما بين 500 و600 جندي أميركي في الصومال. كذلك نفذت الإدارة الجديدة هجمات جوية عدة ضد عناصر تنظيم «داعش» في شمال الصومال.
وقبل أسابيع عدة، تمكنت «حركة الشباب» من التقدم مسافة أكبر من مقديشو بفضل التفوق في ميدان المعركة، بحسب مسؤولين؛ ما أثار مخاوف بشأن سلامة السفارة الأميركية، وهي عبارة عن خندق يشبه الحصن في المطار. وأبطأ موسم الأمطار إيقاع القتال منذ ذلك الحين؛ ما وفر بعض الوقت.
في هذا السياق، قال عمر محمود، محلل بارز لشؤون الصومال والقرن الأفريقي في «مجموعة الأزمات الدولية»، إن هجمات «حركة الشباب»، التي بدأت في أواخر فبراير (شباط) فاجأت الحكومة في البداية، واستعادت المجموعة بعض القرى الريفية التي فقدتها أمام القوات الصومالية منذ عامين. مع ذلك أوضح أن هذه المكاسب مبالغ فيها إلى حد ما، وأن الحركة لا تبدو مهتمة حالياً بمهاجمة مقديشو.
وكتب في رسالة بالبريد الإلكتروني: «تواجه الحكومة صعوبات بالتأكيد، حيث لم يقدم المجندون الجدد الذين تلقوا تدريباً حديثاً أداءً جيداً في ساحة المعركة، والبلاد منقسمة سياسياً بشدة — لكن هناك مبالغة في المخاوف من سقوط مقديشو. ومن المعتاد في البيئة الصومالية، خصوصاً بين الشركاء الدوليين، أنه بمجرد حدوث سلسلة من الأخطاء، يبدأ الجميع في توقع الأسوأ».
مع ذلك، يدعم بعض مسؤولي وزارة الخارجية إغلاق السفارة وسحب الموظفين الدبلوماسيين بوتيرة محكومة، لتجنب الحاجة إلى عملية إجلاء طارئة مفاجئة، كما حدث في مطار كابل بأفغانستان في أغسطس (آب) 2021.
وتتعرض الخارجية أيضاً لضغوط لدمج عمليات السفارات في أفريقيا؛ لذا فإن تركيز الموظفين الدبلوماسيين المعنيين بالصومال في مكان آخر في شرق أفريقيا، مثل كينيا أو جيبوتي، سيسهم في تحقيق هدف توفير التكاليف، بحسب ما نُقل عن بعض المسؤولين.
انقسمت أجزاء من الصومال إلى مناطق شبه مستقلة. ويُقال إن هناك خياراً آخر قيد الدراسة، وهو نقل بعض المنشآت والمعدات إلى قاعدة جوية تعود إلى الحقبة السوفيتية في إحدى هذه المناطق مثل جمهورية أرض الصومال. وعرض الرئيس الصومالي مؤخراً على إدارة ترمب السيطرة على قواعد جوية وموانئ بحرية، بما في ذلك قاعدة في جمهورية أرض الصومال، رغم أن حكومته لا تسيطر على تلك المنطقة، كما أفادت وكالة «رويترز» أواخر مارس (آذار).
خلال الاجتماع بين الوكالات الأسبوع الماضي، عارض غوركا تقليص الوجود الأميركي، قائلاً إنه لا يمكن تحمل فكرة سيطرة «حركة الشباب» على البلاد، واقترح بدلاً من ذلك تكثيف الهجمات ضد المسلحين.
من شأن أي تغييرات أن تثير أسئلة معقدة حول العلاقات مع الحلفاء المهتمين بالصومال، حيث لدى إثيوبيا، والإمارات، وتركيا ومصر، قوات تسعى أيضاً للتصدي إلى «حركة الشباب». كذلك كانت كينيا ضحية لهجمات خارجية من قِبل الجماعة الإرهابية.
كما سيثير تقليص العمليات مسألة ما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ستستطيع مواصلة تشغيل محطة داخل الصومال. خلال هجوم بنغازي، لم يسيطر المسلحون على البعثة الأميركية فحسب، بل قصفوا أيضاً مبنى قريب تابع لـ«سي آي إيه».
مع ذلك، تعد كل هذه التعقيدات ثانوية في مقابل القرار الذي يحدّد الاستراتيجية الأميركية في الصومال.
السؤال الجوهري هو: هل نستمر في السياسات نفسها إلى أجل غير مسمى لمنع «حركة الشباب» من التقدم، ونزيد الهجمات بشكل كبير ضد مقاتلي الحركة، أم نقلص الوجود مع الاحتفاظ بالقدرة على تنفيذ هجمات بطائرات مسيَّرة ضد أهداف إرهابية مهمة محدودة من قواعد أبعد؟
جزء من المعضلة هو المسألة غير المحسومة بشأن ما تعنيه سيطرة «حركة الشباب» على جزء أكبر من الصومال، بما في ذلك ما إذا كانت سترضى بحكم البلاد فقط، أم ستشن هجمات إرهابية خارجية أو تستضيف جماعات إرهابية تفعل ذلك؟
وظهرت «حركة الشباب» من قلب بيئة الصومال التي تتسم بالفوضى في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأعلنت ولاءها لتنظيم «القاعدة» في 2012. ونفذت أجزاءً من الجماعة هجمات خارج الصومال، بما في ذلك إطلاق نار جماعي في «مركز ويستغيت التجاري» بالعاصمة الكينية نيروبي عام 2013، وهجوم على قاعدة «مانداباي» الجوية الأميركية بكينيا في يناير (كانون الثاني) 2020، بعد أن كثَّفت إدارة ترمب الأولى هجمات الطائرات المسيرة ضد الحركة.
يقع الصومال على ساحل خليج عدن من اليمن، التي كثفت فيها إدارة ترمب حملة قصف ضد الحوثيين المدعومين من إيران، والذين يهددون طرق الشحن الدولية من قناة السويس وإليها. وقال الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، في شهادته أمام الكونغرس خلال الأسبوع الماضي، إن الجيش يراقب علامات تواطؤ بين «حركة الشباب» والحوثيين.