أظهرت أول محادثات رفيعة المستوى بين روسيا وأوكرانيا منذ الأشهر الأولى من غزو موسكو لكييف عام 2022 أنهما بعيدتان كل البُعد عن الاتفاق على الخطوات اللازمة لوقف إطلاق النار، على الرغم من وعدهما بإجراء تبادل كبيرة لأسرى الحرب.
ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة لمزيد من التحرك الدبلوماسي، في ضوء تصريح وزير الخارجية التركي بأن الطرفين وافقا من حيث المبدأ على إجراء محادثات إضافية، وهي خطوة تُعدّ حاسمة بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يسعى إلى تحقيق سلام سريع.
قال بيتر سليزكين، وهو زميل كبير ومدير برنامج روسيا في مركز ستيمسون، إن وعود المفاوضين بالإفراج عن 1000 أسير حرب والاجتماع مرة أخرى لإجراء محادثات وتقديم رؤيتهم لوقف إطلاق النار كانت «خطوات جوهرية».
وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»، «أعتقد أنها بادرة تبعث على الأمل، لأن دخول الطرفين في اتصال مباشر تطور مهم».
ودعت أوكرانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى وقف إطلاق النار 30 يوماً، دون شروط مسبقة للسماح بإجراء محادثات سلام.
ولم تُظهر روسيا، التي تسيطر على خُمس أوكرانيا تقريباً، رغبة كبيرة في تقديم تنازلات، مكررة مطالبها الكبيرة، ومنها انسحاب أوكرانيا من 4 مناطق أوكرانية، والاعتراف بالسيطرة الروسية عليها، التي يدعي الكرملين الآن من جانب واحد أنها تابعة له، ولكنه لا يسيطر عليها بالكامل.
ولم تُسهم اللهجة المتزنة في تصريحات الجانبين عقب المحادثات في تضييق الهوة بينهما أو تحقيق تقدم يُذكر.
وقال مصدر دبلوماسي أوكراني، لوكالة «رويترز»، إن روسيا قدّمت مطالب في المحادثات «منفصلة عن الواقع، وتتجاوز بكثير أي شيء خضع للنقاش من قبل».
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسية المحادثات، إنها تضمنت إنذارات بانسحاب القوات الأوكرانية من بعض أراضيها و«شروطاً أخرى غير بنّاءة».
وأشار كبير مفاوضي الكرملين، فلاديمير ميدينسكي، بعد المفاوضات، إلى أن روسيا يمكن أن تستمر في القتال ما دامت تحتاج إلى ذلك لتحقق أهدافها. وقال، مستشهداً بالانتصارات العسكرية في الحرب التي استمرت 21 عاماً ضد السويد في القرن الثامن عشر إبان حكم القياصرة، إن كييف تُعزز فقط من أسباب زوالها بمقاومتها مطالب السلام الروسية.
بداية الرحلة
وتُمثل مقترحات طرحتها الولايات المتحدة وأخرى مضادة اقترحتها أوروبا وأوكرانيا في محادثات الشهر الماضي، وحصلت وكالة «رويترز» عليها، أقرب ما يكون إلى مخطط اتفاق سلام.
وقال مصدر حكومي أوكراني كبير، اليوم، إن أحدث المطالب الروسية في إسطنبول تضمنت تخلي كييف عن رغبتها في الحصول على تعويضات، والاعتراف الدولي بخمس مناطق من أوكرانيا على أنها روسية، وأن تصبح أوكرانيا دولة محايدة. وتجاوزت المطالب الروسية ما ورد في المقترحات الأميركية أو الأوكرانية والأوروبية.
ورأى أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين الذين شاركوا في المحادثات مع روسيا عام 2022، التي فشلت في وقف الحرب الشاملة، لوكالة «رويترز»، أن نتيجة استئناف الحوار مع روسيا في إسطنبول جاءت مثلما كان متوقعاً تماماً.
وأضاف المصدر: «كل رحلة تبدأ بخطوة واحدة، وهذه هي بداية الرحلة. دائماً ما تشهد بداية أي مفاوضات مبالغة في المطالب، وهذا أمر تقليدي».
انتكاسة لمساعي العقوبات
أدت النتائج الهشّة التي تمخضت عن المحادثات إلى إعادة الكرة مجدداً إلى ملعب ترمب، الذي غيّر موقفه فجأة يوم الخميس، أي قبل يوم واحد فقط من بدء المفاوضات، حين قال إنه بحاجة للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين حتى تتحقق انفراجة.
ويُبدد هذا التصريح، في الوقت الراهن، آمال أوروبا في دفع واشنطن لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا.
وفي حالة فرض عقوبات، فستكون هذه لحظة فارقة في رئاسة ترمب التي أبدى خلالها حتى الآن تعاطفاً تجاه روسيا، وتراجع عن سياسات سلفه جو بايدن المؤيدة لأوكرانيا.
وتوجه قادة 4 قوى أوروبية كبرى إلى كييف الأسبوع الماضي، وهددوا بفرض مزيد من العقوبات على روسيا إن لم توافق على وقف لإطلاق النار 30 يوماً، بدءاً من 12 مايو (أيار)، وهي خطوة قالوا إن الولايات المتحدة تدعمها.
لكن عندما اقترح بوتين إجراء محادثات بدلاً من وقف إطلاق النار، كتب ترمب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي حثّ فيه زيلينسكي على الموافقة فوراً، دون أن يذكر العقوبات المنتظرة على روسيا، رغم أنه لمّح على مدار أسابيع إلى استيائه مما وصفه بتباطؤ بوتين.
واقترح زيلينسكي إجراء محادثات مباشرة مع بوتين؛ انطلاقاً من حرصه على عدم إغضاب ترمب، لكن بوتين لم يرد إلا في اللحظات الأخيرة عندما اختار وفداً لم يشمله ولا أياً من وزرائه الأساسيين.
وفي تعليق له على اختيار ميدينسكي رئيساً للوفد، قال المحلل السياسي الروسي فلاديمير باستوخوف: «لا أحد يرسل متعهدي الدفن إلى حفل زفاف»، في إشارة إلى دوره في محادثات 2022 التي لم يُكتب لها النجاح.
وبعد استئناف المفاوضات في إسطنبول، عاد قادة القوى الأوروبية الأربع وزيلينسكي للتواصل هاتفياً مع ترمب لمناقشة سير المحادثات.
كما جدّد الفريق الأوكراني علناً الدعوة لإجراء محادثات مباشرة بين زيلينسكي وبوتين، قائلاً إن الرئيس الروسي وحده هو مَن يملك التفويض لاتخاذ قرارات بشأن عدد كبير من الملفات المطروحة.
وفي مقابلة مع «فوكس نيوز»، قال ترمب إنه يعتقد أنه يستطيع التوصل إلى «اتفاق» مع بوتين، لكنه سيفرض عقوبات على روسيا إذا «لم نتوصل إلى اتفاق».