رغم القلق الذي تبعثه الإجراءات الحازمة التي تتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد المهاجرين غير الشرعيين، لا تزال الحدود في الولايات المتحدة تشهد عبوراً لطالبي اللجوء من كل أنحاء العالم، ولو بعدد أقل بكثير من السابق. فيما بدأت بلدان أخرى، مثل الأرجنتين، تتبع الطريقة الأميركية للتخلص من المهاجرين.
وتفيد تقارير دائرة الهجرة وتنفيذ القانون عند المعابر الأميركية المختلفة بأن الوافدين يأتون من بلدان مثل إريتريا وغواتيمالا وباكستان وأفغانستان وغانا وأوزبكستان ودول أخرى كثيرة، بغية طلب اللجوء، مصرحين بأنهم يتعرضون للاضطهاد بسبب دينهم أو ميولهم الشخصية أو توجهاتهم السياسية. وفي وقت يعقد فيه البعض الأمل على بقاء الفرص التي شاعت لأجيال بأن تفتح الولايات المتحدة أبوابها لهم، يدرك آخرون أن الوضع لم يعد كذلك.
وبالفعل، علق الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اليوم الأول من عهده الرئاسي الثاني في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، نظام اللجوء في إطار حملته الواسعة النطاق على الهجرة غير الشرعية، وأصدر سلسلة من القرارات التنفيذية الرامية إلى وقف ما سماه «غزو» الولايات المتحدة.
ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن موظف انتخابي روسي، عمره 36 عاماً طلب اللجوء في الولايات المتحدة، أن السلطات ضبطت بحوزته تسجيلات فيديو لتزوير الانتخابات. وقال: «لم يُوفروا لنا ضابطاً من دائرة الهجرة والجمارك الأميركية للتحدث معه. لم يُجروا لنا مقابلة. لم يسألني أحد عما حصل».
واتّبع الموظف الذي يخشى نشر اسمه هو وعائلته القواعد بدقة؛ إذ سافروا إلى المكسيك في مايو (أيار) 2024، وانتظروا نحو تسعة أشهر للحصول على فرصة لتحديد موعد مقابلة لجوء. وفي 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، تبلغوا أن مقابلتهم ستكون في 2 فبراير (شباط) الماضي. ولكن في 20 يناير، ألغيت المقابلة. وجرى ترحيله إلى كوستاريكا مع زوجته وابنه الصغير في 26 فبراير الماضي.
ويفيد محامون وناشطون ومهاجرون بأن ما يجده طالبو اللجوء الآن هو وضع غامض ومتغير باستمرار، حيث يمكن ترحيل الأشخاص إلى دول لا يعرفون عنها شيئاً بعد محادثات عابرة مع مسؤولي الهجرة، بينما يقبع آخرون في حجز سلطات الهجرة والجمارك.
ويلاحظ محامون يعملون بشكل متكرر مع طالبي اللجوء أن هواتفهم صمتت منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، مشتبهين في أن العديد من عابري الحدود يُطردون فوراً من دون فرصة للحصول على اللجوء، أو يُحتجزون في انتظار الفحص بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وقالت مديرة المجلس العالمي للتقاضي الاستراتيجي بيلا موسلمانز: «لا أعتقد أنه من الواضح تماماً لأي شخص ما يحدث عندما يظهر الناس ويطلبون اللجوء».
السجال متواصل
ومع ذلك، امتلأت المحاكم بسلسلة من الدعاوى القضائية والاستئنافات والدعاوى المضادة، حيث تواجه إدارة ترمب نشطاء يجادلون بأن القيود الشاملة المفروضة تعرض الأشخاص الفارين من الاضطهاد بشكل غير قانوني للخطر. وفي معركة قانونية رئيسية، يتوقع أن يحكم قاضٍ فيدرالي في واشنطن العاصمة بقضية ما إذا كان يمكن للمحاكم مراجعة استخدام الإدارة لادعاءات «الغزو» كمبرر لتعليق اللجوء.
وتدعي الحكومة الأميركية أن إعلانها في شأن «الغزو» لا يخضع للرقابة القضائية، باعتباره «مسألة سياسية غير قابلة للمراجعة». غير أن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية وصف ادعاء الغزو بأنه «غير قانوني بقدر ما هو غير مسبوق».
وبعدما ارتفعت بشكل حاد في السنوات الأولى من إدارة الرئيس جو بايدن وصولاً إلى نحو عشرة آلاف عملية توقيف يومياً أواخر عام 2024، انخفض عبور الحدود غير القانوني بصورة ملحوظة خلال عامه الأخير في منصبه، ثم انخفضت أكثر بعد عودة ترمب. ومع ذلك، لا يزال أكثر من 200 شخص يُعتقلون يومياً لعبورهم الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بشكل غير قانوني. ويسعى بعضهم إلى الحصول على اللجوء.
وأفادت محامية مركز قانون المدافعين عن المهاجرين، بولينا رييس بيراريز، في سان دييغو بأن مكتبها كان يتلقى أحياناً ما بين 10 مكالمات إلى 15 مكالمة يومياً في شأن اللجوء، بعدما فرض بايدن قيوداً على اللجوء في عام 2024. وانخفض هذا العدد إلى الصفر تقريباً، مع عدد قليل للغاية منذ 20 يناير الماضي. وقالت: «من الصعب حقاً التشاور وتقديم المشورة للأفراد عندما لا نعرف ما هي الإجراءات المتبعة».
وحاولت إدارة ترمب تسريع عمليات الترحيل بتحويل دول مثل كوستاريكا وبنما إلى «جسور»، حيث احتجزت المرحلين مؤقتاً في انتظار عودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو دول ثالثة.
في وقت سابق من هذا العام، رُحِّل نحو 200 مهاجر إلى كوستاريكا، وأُرسِل نحو 300 إلى بنما.
قضية أبريغو غارسيا
في غضون ذلك، مثل محامو وزارة العدل الأميركية الجمعة أمام قاضية المحكمة الجزئية الفيدرالية في ميريلاند باولا زينيس، التي تسعى إلى معرفة أسباب رفض إدارة الرئيس دونالد ترمب التزام أمر من المحكمة العليا للعمل على ضمان إطلاق المهاجر كيلمار أرماندو أبريغو غارسيا، الذي رحلته السلطات في مارس (آذار) الماضي إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور.
وظهر محامو وزارة العدل أمام المحكمة في ميريلاند مدافعين عن مساعيهم الأخيرة لتجنب الكشف عن تفاصيل حول جوانب رئيسية من الإجراءات التي اتبعوها. وسعت القاضية زينيس إلى الاطّلاع على الخطوات الدبلوماسية التي اتخذها المسؤولون في الأسابيع القليلة الماضية لإطلاق أبريغو غارسيا، بالإضافة إلى طبيعة الصفقة بين البيت الأبيض والحكومة السلفادورية لإيواء المهاجرين المرحّلين في سجونها.
وجادلت وزارة العدل الأميركية أنه لا يجوز الكشف عن العديد من هذه التفاصيل لأنها تُعدّ أسرار دولة.
في المقابل، سخر محامو أبريغو غارسيا من عدّ جهود إطلاق موكلهم من السلفادور سراً من أسرار الدولة، ولا سيما أن ترمب وبعض كبار مساعديه يتحدثون علناً عن الرجل منذ أسابيع. وبعد الاستماع إلى الطرفين، يتوقع أن تقرر القاضية زينيس ما إذا كانت ستسمح للحكومة باستخدام ما يُعرف بـ«امتياز أسرار الدولة» وغيره من الضمانات القانونية لإبقاء مداولاتها الداخلية طي الكتمان.