يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.
وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».
وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».
وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».
وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».
ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».
وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».
وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».
وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».
ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».