شاشة الناقد: سفر بين أزمنة حاضرة ومنسية

«موجة جديدة» (أ آر پ)
«موجة جديدة» (أ آر پ)
TT

شاشة الناقد: سفر بين أزمنة حاضرة ومنسية

«موجة جديدة» (أ آر پ)
«موجة جديدة» (أ آر پ)

NOUVELLE VAGUE

★★★★

* إخراج: ريتشارد لينكليتر

* فرنسا + | دراما (105 د)

* عروض 2025: مهرجان «كان»

إعجاب المخرج بأفلام سينمائية أخرى يدفع عادةً إلى تقدير شفهي وبصري بروح إيجابية ترغب في معايشة أجواء نوستالجية. «تشابلن» (Chaplin) لريتشارد أتنبره (1992)، «هوغو» (Hugo) لمارتن سكورسيزي (2011)، و«لا لا لاند» (La La Land) لداميَن شازيل (2016)، هي نماذج ناجحة لذلك، سواء أكانت مستوحاة من أحداث حقيقية أو خيالية. «تشارلي» كان تحية لممثل، و«هوغو» كانت تحية لمخرج (جورج ميلييه)، و«لا لا لاند» كانت تحية لنوع موسيقي.

«موجة جديدة» لريتشارد لينكليتر هو رحلة غير مسبوقة في الصياغة وطريقة الصنع لفيلم يحيي «نفس لاهث» (À bout de souffle)، وهو أول أفلام جان-لوك غودار والمحطة الفعلية الأولى لمنهج الموجة الفرنسية الجديدة ونقطة انطلاق لأسلوب المخرج الخاص.

الفيلم الحديث ليس إعادة صنع على طريقة فيلم جيم ماكبرايد (Breathless) في 1983، الذي اقتبس الفيلم الفرنسي، بل محاولة لتقديم الكيفية التي صُنع بها الفيلم السابق، وإحياء الفترة وظروفها، وإلقاء التحية على غودار.

لمعظم وقته، «موجة جديدة» فيلم كاشف عن تاريخ، بعضه معروف وبعضه الآخر منسي، أو هو بمتناول من يبحث عميقاً في كيفية اندفاع غودار لتحقيق «نفس لاهث» عن سيناريو لزميله فرنسوا تروفو، وعن كيفية اختيار الممثلين جين سيبرغ وجان-بول بلموندو، وعن خلافات المخرج مع منتج الفيلم جورج بيوريغار، والأهم كيفية ابتكار غودار طريقة تصوير لا تعتمد على الكاميرا ذات الإمكانات الآلية. مثلاً، لتأمين «تراكينغ شوت» (كاميرا تتبع حدثاً متحركاً) وُضع مدير التصوير (راوول كوتار) فوق كرسي للمقعدين، وفي مشهد آخر وُضع مساعده في صندوق مغلق (مثل تابوت) يحتوي على فتحة أمامية.

لم يقصد غودار اللعبة الفنية عبثاً، بل استخدم حقيقة أن الميزانية لا تسمح بكل الترف المعتاد لتأسيس منهجه الخاص. النتيجة رائعة، وفيلمه ذاك من بين كنوز السينما إلى اليوم.

ما يأتي به لينكليتر في فيلمه هو نوستالجيا ومعلومات وممثلون غير معروفين غالباً لتشييد عالم الفيلم السابق. وهو يفعل ذلك من دون تحليل فني أو سواه، ولا هو بصدد فيلم تاريخي، بل مجرد إطلالة على الفترة، مُصّراً على صورة حقيقية، ومعالجاً الموضوع معالجةً بحب لزمن كانت فيه السينما قائمة على المبادرات والرغبة في التجديد والاستقلالية عن السائد.

EDDINGTON

★★

* إخراج: آري أستر

* الولايات المتحدة (2025) | وسترن (148 د)

* عروض 2025: مسابقة مهرجان «كان»

يطرح «إدينغتون» (اسم بلدة صغيرة في ولاية نيومكسيكو) مسائل عدة، سياسية واجتماعية وفردية، لكنها لا تترك الأثر المنشود دوماً. تغطي فكرةً لكنها لا تبني عليها أحداثها بخط مستقيم ودراما متصاعدة.

«إدينغتون» ‪(A24)‬

يُنتخب تد (بيدرو باسكال) محافظاً للبلدة، ويحاول فرض الكمامة على السكان في أحداث تقع خلال صيف 2020، مع انتشار وباء «كورونا». عمدة البلدة جو (واكين فينكس) يرفض استخدام الكمامة، إضافةً إلى خلافه السياسي مع المحافظ، فهو يميني، أما تد فهو ليبرالي. المسائل المثارة طوال الفيلم، السياسية والاجتماعية والفردية، تمر وسواها في سياق عمل يتوخى إثارة القضايا والبقاء على الحياد، حيث لا ينفع الحياد في الوقت نفسه.

تقع الأحداث خلال شهر واحد من عام 2020، وتصوّر حال بلدة مصغرة تعكس حالة سواها في فورة الوباء وتيه الناس حيالها. النقطة الوحيدة التي تترك أثراً هي عبارة ترد مفادها أن الوباء كان مصطنعاً، وهذا ما يبدو قابلاً للتصديق اليوم أكثر من الأمس. لكن حتى هذه النقطة لا تكفي كتعليق مجتمعي شامل. هذا وسترن حديث يُبدد الفرص التي كانت متاحة لمعالجتها مستخدماً الفكرة كنقطة عبور فقط.

RENOIR

★★★

* تشي هاياكاوا

* اليابان | دراما (120 د)

* عروض 2025: مسابقة مهرجان «كان»

طوكيو سنة 1987. فوكي (يوي سوزوكي) عمرها 11 سنة، لديها أسئلة كثيرة تدور حول الحياة ومآلاتها. الفيلم ليس من النوع الباحث في الوجود، ولا هو عن أحداث تركض باتجاه تفعيل أزمات مختلقة لتثبيت وضع أو رسالة، بل تختار مخرجته وسيلة سرد ومعالجة تعيران الواقع المُعاش على الشاشة اهتماماً عاطفياً.

«رنوار» (أغانغا فيلم آسيا)

تحمل فوكي، في هذه السن المبكرة، أسئلتها ولا تصدّق إجابات الناس. أسئلتها حساسة وصادقة، لكن الردود التي تسمعها لا تكفيها. الحوار مع والدتها (على تكراره) محدود النتائج. والدها على سرير المرض، وهي تريد أن تعرف إذا ما كنا نبكي على الميّت حين يموت، أو نبكي لأننا ما زلنا أحياء.

عادةً، لا يُلقي ابن أو فتاة في ذلك العمر (وفي ذلك الحين) أسئلة من هذا النوع. ربما لو كانت فوكي في الفيلم في الرابعة عشر، لكان الفيلم - في هذه الناحية - أكثر قبولاً. هناك رقة فوق العادة في معالجة الفيلم، وهذه تقود إلى إمعان بلا جدوى كافية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

رئيس «فيبرسي»: السعودية لديها فرصة لتأسيس تيار نقدي قوي

يوميات الشرق أحمد شوقي (إدارة مهرجان «مالمو السينمائي»)

رئيس «فيبرسي»: السعودية لديها فرصة لتأسيس تيار نقدي قوي

الاتحاد الدولي للنقاد اعتمد لائحة جديدة، والسعودية أصبحت رابع دولة عربية تملك اتحاداً وطنياً للنقاد، وسط تحديات وفرص لتطوير النقد السينمائي في المنطقة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق روبرت دي نيرو والمنتجة بولا وينشتاين في مهرجان «ترايبيكا» (غيتي)

غداة «حرب التحرير» في لوس أنجليس

روبرت دي نيرو يواصل انتقاده الرئيس الأميركي وسط مهرجان سينمائي يزدهر بالأفلام السياسية وقصص المهاجرين.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق يتناول الفيلم مفهوم العائلة والصداقة والانتماء لفتاة يتيمة تعيش في جزر هاواي (ديزني)

«ليلو وستيتش»... فتاة هاواي تكتسح شباك التذاكر السعودي

للأسبوع الثالث على التوالي، يواصل فيلم «Lilo & Stitch» تصدّره شباك التذاكر السعودي، وحسب التقرير الأسبوعي لهيئة الأفلام، فقد حقق الفيلم إيرادات 7.3 مليون ريال.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق بيلي جويل شاباً في «وهكذا تمضي»... (ترايبيكا)

مهرجان «ترايبيكا» يصرُّ على عروض مستقلّة ومتنوّعة

«ترايبيكا» ليس المهرجان السينمائي الوحيد في نيويورك... هناك 21 مهرجاناً آخر في أرجاء المدينة، من بينها اثنان يُحسب لهما حساب مُستحَق...

محمد رُضا (مانهاتن - نيويورك (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق رسوم على حافة الموت والحياة (أ.ف.ب)

«غيبلي»... 40 عاماً من السحر المرسوم يدوياً

بفضل الطابع المميّز لهذه الأعمال المفعمة بالحنين إلى الماضي، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً بصور «بأسلوب غيبلي»، مُولّدة بأحدث أدوات الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

ما بين جوائز «كان» و«الأوسكار»

«ميستيك ريڤر» مع شون بن وإخراج إيستوود (وورنر)
«ميستيك ريڤر» مع شون بن وإخراج إيستوود (وورنر)
TT

ما بين جوائز «كان» و«الأوسكار»

«ميستيك ريڤر» مع شون بن وإخراج إيستوود (وورنر)
«ميستيك ريڤر» مع شون بن وإخراج إيستوود (وورنر)

عقب فوز الفيلم الإيراني «حادث بسيط» بسعفة مهرجان «كان» الذهبية في الشهر الماضي، طرح بعض النقاد العرب والغربيين مسألة ما إذا كان فيلم جعفر بناهي قد استحق الفوز بالسعفة الذهبية أم لا.

هذه المسألة أُثيرت هنا قبل ذلك في رسالة من «كان» تلت إعلان الجوائز، حيث ورد، ضمن ما ورد، أن الجائزة سياسية أكثر منها فنية، وأن «صراط» و«صوت السقوط» (الأول إسباني والثاني ألماني) كانا أكثر استحقاقاً.

لكن الموضوع يستأهل بالطبع بعض التفسير. ليس أن «حادث بسيط» خلا من الإيجابيات؛ فهناك معالجة المخرج التي تُحسن الحفاظ على البُعد النقدي المطروح، وحُسن إدارته للممثلين. لكن كلا هذين العنصرين ليس كافياً لجائزة بوزن السعفة، خصوصاً أن الناتج مبسّط، يعتمد الحوار لشرح الحكاية والانتقال بين مرافقها. مما يؤكّد أن أحد المبرّرات الرئيسية لمنح الفيلم تلك الجائزة كان سياسياً، يخدم الرغبة في إثارة الموضوع المطروح، بناءً على ذلك الخلاف القائم بين إيران والغرب.

صحيح أن الفيلم ينتقد الرقابة وصنوف الترهيب والسجن في إيران، لكن هذا يرد إيحاءً وحواراً، وليس عبر أسلوب فني يتجاوز المباشرة.

«صراط» لأوليفر لاكس لديه رسالة أشمل وأعمّ، وفيه قبس روحاني مدعوم بأسلوب بصري مبهر. كونه خرج بجائزة لجنة التحكيم (مناصفة مع الفيلم الألماني) يعني أنه كان مرشّحاً للسعفة.

من «سينما باراديسو» (كريستالدي فيلم)

روح شبابية

هذه ليست المرّة الأولى التي يمنح فيها «كان» جائزته الكبرى هذه لفيلم لا يستحقها.

في عام 1989، ضُحي بأربعة أفلام رائعة لقاء منح الجائزة لفيلم ستيفن سودربيرغ «جنس، أكاذيب وأشرطة فيديو» (Sex, Lies and Videotape) (أميركي). تلك الأفلام هي: «افعل الشيء الصحيح» (Do the Right Thing) للأميركي سبايك لي، و«وقت الغجر» (Time of the Gypsies) لأمير كوستاريتزا (بوسني)، و«مطر أسود» (Black Rain) لشوهاي إيمامورا (اليابان)، و«سينما باراديسو» (Cinema Paradiso) لجيسيبّي تورناتوري.

وكان «التضحية» (The Sacrifice) للروسي أندريه تاركوڤسكي قد أذهل مشاهديه في «كان» سنة 1986، لكن لجنة التحكيم فضّلت عليه فيلماً أقل منه قيمة، هو «المهمّة» (The Mission) لرولاند جوفي (إنتاج بريطاني، فرنسي، أميركي).

خسر سبايك لي مجدداً عندما شارك في فيلمه الرائع «حمّى الغابة» (Jungle Fever)، إذ ذهبت السعفة في سنة 1991 إلى «بارتون فينك» للأخوين جويل وإيثان كوين. كلاهما جيّد، لكن فيلم سبايك احتوى كل ما يريده المهرجان من تجديد وروح شبابية ممزوجين بسرد جيّد.

واحد من أكبر الأخطاء المرتكبة كان حرمان «ميستيك ريڤر» (Mystic River) لكلينت إيستوود من السعفة، ومنحها إلى واحد من أسوأ أفلام عام 2003، وهو «فيل» (Elephant) لغاس ڤان سانت، على اعتبار أن فيلم إيستوود لا يحتاج إلى تشجيع، بخلاف «فيل» المستقل. عذر واهٍ، لأن على الحُكم أن يكون فنياً.

الغاية ليست القول إن لجان التحكيم فشلت طوال الوقت؛ فهناك سنوات عديدة أصابت في اختياراتها بلا ريب، لكن تلك الأعوام التي ذهبت فيها السعفة إلى أفلام ليست الأفضل تبقى عالقة في البال كذلك.

جود لو في «هوغو» (باراماونت)

سنوات ضوئية

المسألة تتعدّى المهرجان الفرنسي إلى مهرجانات عديدة، وبل إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي توزّع الأوسكار. مثلاً في 1950 مُنح أوسكار أفضل فيلم لعمل هش اسمه «كل شيء عن إيڤ» (All About Eve) لجوزيف مانكوڤيتز. والفيلم هو عالم الفن والممثلين. في العام نفسه كان هناك فيلم أفضل منه هو «صنست بوليڤارد» لبيلي وايلدر الذي دار كذلك عن عالم الفن والممثلين. المقارنة بين هذين الفيلمين برهان على أن فيلم وايلدر الممتاز تمّ التضحية به لصالح فيلم نصف رديء.

في 1980 منحت الأكاديمية جائزتها الأولى لفيلم «كرامر ضد كرامر» لروبرت بينتون. هذا مخرج جيد لكن الفيلم الذي كان يستحق الفوز بسنوات ضوئية هو «القيامة الآن» (Apocalypse Now) لفرنسيس فورد كوبولا. إذا كان الأمر يتعلق برسالة عائلية في الفيلم الفائز فإنه يتعلّق برسالة كونية ضد الحروب ممتزجة بعناصر بصرية ومشهدية لم تقع قبل أو بعد «القيامة الآن».

في عام 2012 ترشح للأوسكار فيلمان تداولا تاريخ السينما هما «الفنان» لميشيل هازاناڤيشوس و«هوغو» لمارتن سكورسيزي، والثاني هو أفضل صنعاً من الأول الذي خطف الأوسكار حينها. تعامل «الفنان» مع حكاية موضّبة على نحو مثير حول بدايات السينما. دار «هوغو» حول المرحلة نفسها إنما بتفاعل يبتعد عن الإبهار ويتميّز بصدق حبه لها. فيلم آخر كان أجدى من «الفنان» في ذلك العام هو «شجرة الحياة»، تحفة من ترنس مالك.

خيارات

ازداد تكرار الخيارات السيئة في السنوات القليلة الماضية. في 2021 فاز شيء يشبه الفيلم، عنوانه Nomadland، بالأوسكار عنوةً على فيلم كامل عنوانه «الأب». وفي 2022 فاز فيلم «كودا» المسلي، وفي 2023 تأكد خروج مانحي الأوسكار عن تبعات التمييز بين ما هو فني وبين ما هو فوضى باسم الفن عندما فاز فيلم «كل شيء في كل مكان في وقت واحد» (Everything Everywhere All at Once). وفي هذا العام خطف فيلم «أنورا» (Anora) الأوسكار من يدي فيلم أفضل هو «ذا بروتاليست» (The Brutalist).

الغالب في كل هذه الأمثلة هو تفضيل المبسط على المركّب، والسهل على الصعب، والمضمون على الفن.

OSZAR »