شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

يجب أخذ 11 عاملاً في الحسبان خلال الحكم

شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية
TT

شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

يطرح الكاتب العراقي ماجد الخطيب في السوق كتابه المعنون «البيئة المسلية» في زمن ما عاد فيه الإنسان يشعر بأي تسلية وهو يشاهد الخراب البيئي العظيم الذي يُلحقه الإنسان ومنتجاته ببيئة الأرض.

فتلوُّث جو الأرض بغاز ثاني أوكسيد الكربون يزداد، وتحول الضجيج إلى جريمة إلحاق ضرر جسدي بالإنسان. وحين فحص أعضاء منظمة «الكوكب البلاسيتيكي» عينات من دمائهم تحت المجهر توصلوا إلى أن جزيئات الميكروبلاستيك تسللت إلى دمائهم بعد أن ملأت مياه البحار والمحيطات.

بيد أن قراءة ما كتبته دار النشر على الغلاف الأخير لكتاب «البيئة المسلية» من أرقام ومعطيات وحقائق بيئية قد يكفي لتسلية القارئ فعلاً. أليس من التسلية أن تنقلب حقائق البيئة رأساً على عقب، بفضل مفهوم «الميزان البيئي»، فيصبح المقبول بيئياً حتى الآن ضاراً بالبيئة والعكس بالعكس.

يُفاجأ القارئ حينما يسمع أن الميزان البيئي للقطن ليس أفضل من الميزان البيئي للبلاستيك، رغم سمعة القطن التاريخية الكبيرة. إن البقرة أخطر على البيئة من السيارة بسبب ما تحرِّره من كميات كبيرة من غاز الميثان من أمعائها (235 لتراً) وهي تجترّ طعامها يومياً. وبعد أن كان حماة البيئة يتهمون السيارة بأنها «ملوث البيئة رقم1 في العالم»، صاروا يسمون الكمبيوتر «وحش البيئة»، لأن ميزانه البيئي يرتفع إلى طنين، لكنهم يرون الآن أن البشر هم الملوث الحقيقي للبيئة تحت شعار «البشر يحتاجون إلى البيئة... البيئة لا تحتاج إليهم».

وهكذا نجد تسلية كبيرة في معرفة أن الوزن الحقيقي لحلقة الزواج ليس 50 غراماً وإنما 2000 كيلوغرام، ووزن الشريحة الإلكترونية في الجوّال ليس غرامين وإنما 36 كيلوغراماً. وهل تعلم أن 200 سؤال عند «غوغل» تستهلك طاقة كهربائية وحرارية تعادل كيّ قميص؟ إنها معطيات تدفع الإنسان إلى التفكير مستقبلاً في «ميزانه البيئي» قبل أن يشرع في تلويث البيئة بنشاطه اليومي.

ويشير الكاتب إلى أنه من الممكن اختصار معنى «الميزان البيئي» للأشياء بالقول إنه مجموع المواد والطاقة المستخدمة في إنتاج الشيء أو السلعة إلى حين وصوله أو وصولها إلى المستهلك. فبنطلون الجينز يستهلك 8 آلاف لتر من الماء قبل أن تلبسه. واللابتوب الذي وزنه كيلوغرامان تدخل 1.8 طن من المواد والطاقة في إنتاجه قبل أن يستقر أمام الإنسان على المنضدة. وربما لا يشعر الإنسان بثقل عملة «بتكوين» الافتراضية على البيئة إلا بعد أن يعرف أن التعامل بهذه العملة على شبكة الإنترنت يطلق 22 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، حسب علماء البيئة.

لكن المعنى الكامل للميزان البيئي لا يعني غير أخذ 11 عاملاً في الحسبان خلال الحكم على الميزان البيئي للشيء من دائرة البيئة الاتحادية الألمانية. وهي معايير تتعامل مع ضرر الأشياء على البيئة قبل وبعد إنتاجها (من المهد إلى اللحد). بين هذه العوامل مقدار الطاقة والمواد المستخدمة في إنتاج السلعة أو الشيء، وحجم المواد المستخدمة في الإنتاج، وكمية غاز ثاني أوكسيد الكربون والغازات الضارة الأخرى المنطلقة، وكمية الماء المستخدمة، ومقدار الأضرار الصحية الناجمة عن الإنتاج... إلخ.

وتقدر دائرة الصحة الألمانية الوفاة المبكرة لأكثر من 40 ألف ألماني سنوياً بسبب أمراض البيئة الممتدة بين الضجيج وتلوث الجو بذرَّات الكربون وارتفاع درجات حرارة الجو، إلخ... وهذا يعني أن مواطنة أو مواطناً واحداً من كل 1000 مواطن يعيش 8 سنوات أقل من غيره بسبب الأمراض الناجمة عن تلوث البيئة والتغيرات المناخية.

وتثبت دراسة هولندية جديدة أن التغيرات المناخية عززت انتشار مرض السكري من النوع الثاني في كثير من بقاع الكرة الأرضية. على أساس هذه الدراسة توصل العلماء الهولنديون إلى أن كل ارتفاع في حرارة الجو بمقدار درجة مئوية واحدة، خلال العقود الماضية، أضاف 100 ألف حالة «سكري2» سنوياً إلى جيش السكريين في الولايات المتحدة.

ولكن قد لا يجد القارئ أي تسلية وهو يعرف أن الدراسات العلمية أثبتت أن الطيور في المدن بُحَّ صوتها وهي تحاول الارتفاع بتغريدها على ضجيج هذه المدن. لكنه قد يجد تسلية في معرفة أن كلمة الضجيج الألمانية (Lärm) تنحدر عن كلمة «all'arme» التي تعني «إلى السلاح» في القاموس العسكري. وترتبط كلمة الضوضاء في اللغة الألمانية حتى الآن بصخب الجيش والحروب والانفجارات، وبقيت كذلك حتى منتصف القرن الثامن عشر حينما تحول «الضوضاء» إلى مفهوم علمي.

يقع كتاب «البيئة المسلية» في ثمانية فصول. يشرح المؤلف في الفصل الأول ما هو الميزان البيئي، ثم يتناول في الفصول الأخرى، وبالأرقام والحقائق البيئية المسلية والمثيرة مشكلات الضجيج والبلاستيك، ودور السيارة والبشر والكمبيوتر في تلويث البيئة، والحلول المطروحة لتنقية بيئة الكوكب. وهناك فصل كامل بعنوان «البيئة المسلية».

صدر الكتاب عن «دار الفجر» القاهرية للنشر والتوزيع التي تهتم بنشر الكتب العلمية.

وجاء في 300 صفحة من القطع الكبير.


مقالات ذات صلة

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

كتب الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

يشيعُ في الأوساط المهتمّة بتاريخ الفلسفة أنّ لودفيغ فيتغنشتاين Ludwig Wittgenstein هو الشخصية الفلسفية الأهمّ في القرن العشرين رغم قلّة مؤلّفاته.

لطفية الدليمي
كتب «فن الحرب» في ترجمة كاملة عن الصينية

«فن الحرب» في ترجمة كاملة عن الصينية

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة صدرت طبعة جديدة من الكتاب الشهير «فن الحرب» الذي وضعه في القرن السادس قبل الميلاد القائد العسكري الصيني والمفكر الاستراتيجي سون تزو

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب «النقد الأدبي» لأحمد أمين لا يزال صالحاً لإثارة الدهشة

«النقد الأدبي» لأحمد أمين لا يزال صالحاً لإثارة الدهشة

للقاصّ المصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله نصّ شهير يحمل عنوان «الحقائق القديمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون مسارات التجريب في القصة المصرية القصيرة

مسارات التجريب في القصة المصرية القصيرة

يسعى الناقد والروائي المصري سيد الوكيل، في كتابه «علامات وتحولات: في ذاكرة القصة المصرية» إلى الوقوف عند أهم محطات التجريب التقني في كتابة القصة القصيرة

عمر شهريار (القاهرة)
ثقافة وفنون السرديات ما بعد الكلاسيكية في كتاب جديد

السرديات ما بعد الكلاسيكية في كتاب جديد

تطرح الباحثة العراقية الدكتورة نادية هناوي أفكاراً ورؤى جديدة في كتابها «السرديات ما بعد الكلاسيكية: مصطلحات - موضوعات إشكاليات».

«الشرق الأوسط» (لندن)

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين
TT

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

الحب والمعرفة والتعاطف مع الآخرين

يشيعُ في الأوساط المهتمّة بتاريخ الفلسفة أنّ لودفيغ فيتغنشتاين Ludwig Wittgenstein هو الشخصية الفلسفية الأهمّ في القرن العشرين رغم قلّة مؤلّفاته. يسوّغون الأمر لا بكثرة تصانيف الفيلسوف بل بثوريتها، ويرون أنّ كتابَيْ فيتغنشتاين (رسالة منطقية - فلسفية) و(أبحاث فلسفية) هما المثابتان الشاخصتان في فلسفة القرن العشرين. ربما تكون شخصية فيتغنشتاين الإشكالية وما انطوت عليه حياتُهُ من أنماط سلوكية غير سائدة أو متعارف عليها هما ما ساهما في إعلاء شأنه الفلسفي. لا أظنُّ أنّ معظم الفلاسفة مهما بلغت خواصهم الرواقية من مرتبة عليا سيرتضون أن يتخلّوا طواعيّة عن ميراثهم المالي الضخم من إمبراطورية آبائهم، ثمَ يكتفون بالعمل معلّمين في مدرسة ابتدائية على تخوم جبال الألب النمساوية، أو العمل بوّابين في عمارة كما فعل فتغنشتاين.

لو شئتُ الإدلاء بصوتي في تصويت حرّ لصالح مَنْ هي الشخصية الفلسفية الأكثر تأثيراً في القرن العشرين فسأختارُ برتراند راسل Bertrand Russell من غير مُنازع. ليس الأمرُ محض ذائقة شخصية أو انجذاباً فردانياً لسلوك محدّد بقدر ما هو نتيجة منطقية لخصائص انطوت عليها حياة رسل وشخصيته وآراؤه الفلسفية. عاش راسل ما يقاربُ قرناً كاملاً (1872 - 1970)، وتلك مساحة زمنية حفلت بضروب الثورات العلمية والتقنية والفلسفية والاجتماعية، ومن الواضح أنّ مَنْ يعيش طويلاً يرى كثيراً، ولن يكون بالتأكيد كمن عاش قليلاً. تخيّلوا معي بدايات راسل حيث كانت وسيلة النقل السائدة في المشهد اليومي هي حصانٌ يجرّ عربة متثاقلة، ثم مع نهايات حياة راسل وقبل وفاته بسنة يشهد بعينيه كيف وطأت قدم الإنسان تربة القمر لأوّل مرّة. من جانب آخر عمل راسل على أنسنة الاشتغال الفلسفي عبر الانغماس في حياة حسية كاملة جعلته أبعد ما يكون عن الشخوص الفلسفية المتعالية التي تلامس مثال الآلهة الإغريقية. تزوّج راسل غير مرّة، وساهم في التظاهرات التي دفع أثمانها سجناً وإبعاداً من وظيفته الجامعية، كما لم يكتفِ بوظيفة الأستاذ الجامعي المختال في أروقة جامعة كامبريدج الأرستقراطية بل (دسّ أنفه) في كلّ المعضلات العالمية: من الحروب العالمية والأسلحة النووية ومعضلة المجاعة وشبح الشيوعية والنظم السياسية الشمولية. خصيصة أخرى تميّز راسل: لم يكتفِ بالكتابة عن المعضلات الفلسفية التقليدية الممتدّة والمتوارثة منذ العصر الإغريقي حيث صُنِعت الفلسفة؛ بل تناول قضايا كثيرة ومتعدّدة حتى ليصعب على المرء أن يذكر مبحثاً أو اشتغالاً إنسانياً لم يتناوله راسل في كتاباته. أظنّ أنّ هذه الأسباب الثلاثة تكفي للتصويت على أحقّيته في أن يكون الشخصية الفلسفية الأكثر أهمية في القرن العشرين.

لقائي الفكري الأوّل مع برتراند راسل حصل عندما قرأتُ قبل عقود كتاب (صُوَرٌ من الذاكرة ومقالات أخرى Portraits from Memory and Other Essays) الذي نشره الفيلسوف الراحل في بواكير خمسينات القرن الماضي ليكون واحداً من سلسلة كتب تتناول سيرته الذاتية، وبلغت هذه السلسلة خاتمتها بنشر السيرة الذاتية للفيلسوف في كتب ثلاثة (نُشِرت لاحقاً في كتاب واحد عام 1975) تتناول حياته موزّعة على أطوار زمنية ثلاثة. ربما من المفيد أن أذكّر بأنّ القسم الأوّل من هذه السيرة الذاتية قد تُرجِم إلى العربية، وظلّ القسمان الآخران غير مترجمين لوقت طويل رغم أنّ معظم مؤلفات راسل الأخرى قد تُرجِمت إلى العربية.

كتابُ «صورٌ من الذاكرة» واحدٌ من أكثر الكتب التي قرأتها إمتاعاً، وهو ليس كتاباً فلسفياً بالمعنى الدقيق بقدر ما هو مقاربة لهوامش حياتية تمثل التقاطاتٍ ذكية لعقل فلسفي متمرّس في توصيف علاقته بالأفكار والناس والبيئة التي يتفاعل معها، وما شدّني أكثر من سواه لهذا الكتاب ذلك الفصلُ الذي يحكي فيه راسل عن بواكير علاقته بالفيلسوف ألفرد نورث وايتهد Alfred North Whitehead الذي صار أستاذاً لراسل في جامعة كامبريدج ومن ثمّ صار زميله وشاركه كتابة العمل الأشهر (أصول الرياضيات Principia Mathematica) الذي صدر في ثلاثة أجزاء خلال السنوات 1910 - 1913. يروي راسل في هذا الفصل أنه كان في طفولته مهجوساً بإثبات كروية الأرض، ولطالما سعى للحصول على شاهدة تجريبية تؤكّد هذه الحقيقة؛ لذا راح يحفر الأرض على أمل الخروج من الطرف الثاني المقابل لها، ولمّا أخبر والدا راسل طفلهما الصغير أنّ عمله هذا غير ذي جدوى لم يقتنع وظلّ يواظب على مسعاه؛ فلم يكن بوسع والديه سوى الاستعانة بقسّيس البلدة لكي يهدّئ من روعه، ولم يكن هذا القسّيس سوى والد ألفرد نورث وايتهد. يعلّمنا راسل من هذه الأمثولة الخطأ الفادح الذي يقترفه الأهل عندما يعملون على كبح جذوة التفكّر المفارق للأنماط الفكرية السائدة، فضلاً عن تعويق الدهشة الفلسفية التي تدفع الأطفال لمقاربة ذلك النمط من الأسئلة الوجودية الموصوفة بِـ(الأسئلة الكبرى The Big Questions) التي تتناول موضوعات الكون والوعي ومعنى الحياة وغائيتها.

تتناثر نتفٌ من سيرة راسل في كتاباته العامّة؛ غير أنّ القارئ المتفحّص سيكتشف بعد طول مراسٍ في قراءة رسل أنّ سيرته الذاتية يمكن مقاربتها في مؤلفاته الثلاثة: صورٌ من الذاكرة، تطوّري الفلسفي My Philosophical Development، تطوّري العقلي My Mental Development. المشترك الأوّل بينها هو شهادة راسل لطبيعة علاقته في أطوار مختلفة من حياته بعدد من الشخصيات الثقافية اللامعة في الساحة البريطانية؛ أمّا المؤلّفان الآخران فهما أقرب إلى اللغة الفلسفية الصارمة. لن تكون هذه المؤلفات الثلاثة بديلاً بأيّ شكل من الأشكال لسيرة راسل الذاتية التي ارتضى لها أن تحمل توصيفاً صريحاً متمثّلاً في عنوان (سيرتي الذاتية)؛ لذا سيكون من قبيل البديهة العامة أن تحرص الأوساط الثقافية العربية على ترجمة هذه السيرة الذاتية جنباً إلى جنب مع ترجمة كتبه الأخرى التي تُرجِمت ترجمات عديدة وبطبعات كثيرة. الغريب أنّ الجزء الأوّل فقط من سيرة راسل (وهو الجزء الممتد من ولادته عام 1872 حتى انفجار الحرب العالمية الأولى عام 1914) تُرجِم منذ سبعينات القرن الماضي بترجمة تكفّل بها أربعةٌ من أساتذة جامعة القاهرة. لا أعرف السبب الذي جعل أربعة من أساتذة الفلسفة يتشاركون جهد ترجمة عمل سِيريّ ذاتي غير متطلّب لجهد استثنائي ولا يتجاوز بالكاد حاجز الأربعمائة صفحة. أظنّ أنّ الترجمة جهدٌ لا يتناغم مع التشارك ويميلُ بطبيعته الإبداعية إلى الفردانية، وربما كان تعدّد المترجمين سبباً في عدم رواج الجزء الأوّل من سيرة راسل الذاتية. كان الأمر مثلبة بوجهيْن: الاكتفاء بترجمة عربية غير مشجّعة للجزء الأوّل من السيرة، ثمّ غضّ النظر عن ترجمة الجزأين الآخرين منها. ربّما تقدّمُ جهات النشر تسويغاً بثقل المادة الفلسفية في السيرة الذاتية وعدم تناغمها مع أذواق القارئين وتطلعاتهم القرائية، وهنا أقول: سيرة راسل الذاتية أقلّ في صرامتها الفلسفية بكثير من مؤلفات مترجمة لراسل لقيت قراءات موسّعة، ثمّ إنّ الخصيصة النخبوية في مؤلفات راسل معروفة ومشخّصة منذ زمن بعيد، ولن ينغمس أيّ قارئ في قراءة راسل إلّا وهو يعرف مسبقاً طبيعة التضاريس المعرفية التي ستواجهه. نخبويته ليست متقاطعة مع حجم قراءته أبداً مثلما أثبتت مؤلفاته الكثيرة.

الفيلسوف الإنجليزي الشهير تناول قضايا كثيرة ومتعدّدة تمس الإنسان

جهدٌ طيّبٌ يستحقّ كلّ التقدير ذاك الذي نهضت به دار (الرافدين) العراقية عندما نشرت مؤخّراً ترجمة عربية كاملة لسيرة راسل الذاتية في أجزاء ثلاثة، تناول كلّ جزء منها مقطعاً زمنياً ممتداً لبضعة عقود من حياته. أهمّ ما يمكن قولُهُ عن هذه السيرة أنّ من الخطأ أن يستبق القارئ الحقيقة فيظنّ أنّ السيرة هي محض سيرة فكرية أو فلسفية خالصة. الأصحّ وصفُها بأنّها سيرة حياتية مطعّمة بنكهة فلسفية أو فكرية لا يمكن التنصّل من مؤثراتها بعيدة الغور في تشكيل صورة حياة أحد أعظم فلاسفة القرن العشرين.

تناول راسل في الجزء الأوّل موضوعات طفولته وشبابه ودخوله جامعة كامبريدج وخطوبته وزواجه الأوّل وكتابته المؤلف الأشهر(مبادئ الرياضيات) ثم عودته لجامعة كامبريدج ثانية. في الجزء الثاني من السيرة (الممتد بين سنوات 1914- 1944) تناول راسل الحرب العالمية الأولى وتجربته مع روسيا والصين وزواجه الثاني ثم إقامته في أميركا، في حين تناول في الجزء الثالث (الممتد بين سنوات 1944-1967) عودته إلى بريطانيا وانشغالاته السياسية والثقافية (من قبيل تأسيسه مدرسة خاصة عمل مديراً لها). من المفيد الإشارةُ هنا إلى أنّ راسل حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1950؛ لذا فإنّ كل قراءة له تعني قراءة نصّ أدبي رفيع فضلاً عن قيمته الفلسفية الدسمة.

OSZAR »