تماثيل أنثوية صغيرة من ثاج تحمل سمات الأمومة

تتبنّى أسلوباً جامعاً قوامه التبسيط والتجريد والتحوير

تماثيل فخارية أنثوية من ثاج محفوظة في المتحف الوطني السعودي بالرياض
تماثيل فخارية أنثوية من ثاج محفوظة في المتحف الوطني السعودي بالرياض
TT

تماثيل أنثوية صغيرة من ثاج تحمل سمات الأمومة

تماثيل فخارية أنثوية من ثاج محفوظة في المتحف الوطني السعودي بالرياض
تماثيل فخارية أنثوية من ثاج محفوظة في المتحف الوطني السعودي بالرياض

- خارج الأراضي السعودية، ظهرت تماثيل مشابهة من مواقع كثيرة من الإمارات، منها موقع الدُّوْر في القيوين، ومنطقة مليحة في الشارقة، ورميلة في مدينة العين، وقلعة البحرين.

من موقع ثاج الأثري في المنطقة الشرقية، خرجت مجموعات متعدّدة الأنواع من اللقى الأثرية، منها مجموعة كبيرة من المنحوتات الطينية صغيرة الحجم المصنوعة من الـ«تراكوتا»، أي الطين المشوي. تحوي هذه المجموعة قطعاً تمثّل حيوانات شتّى، كما تحوي قطعاً تمثّل أناساً في وضعيّات ثابتة يغلب عليها طابع الاختزال والتجريد والتحوير، وأكثرها تميّزاً تلك التي تجسّد مثالاً أنثوياً تطغى عليه سمات الأمومة والخصوبة والإنجاب.

عُثر على الكثير من الدمى الطينية في مواقع متباعدة من الجزيرة العربية، ويوحي النتاج الغزير الذي خرج من ثاج بأن هذه المدينة كانت من أبرز المراكز المنتجة لهذا النوع من التماثيل الصغيرة التي يتراوح طولها في الغالب بين خمسة وخمسة عشر سنتيمتراً. كشفت أعمال التنقيب المتواصلة في الأراضي السعودية عن هذا الصنف من التماثيل في قرية الفاو كما في المنطقة المركزية المسوّرة للأخدود في نجران، وفي موقعي عين جاوان والدفي في المنطقة الشرقية.

خارج الأراضي السعودية، ظهرت تماثيل مشابهة من مواقع كثيرة من الإمارات، منها موقع الدُّوْر في القيوين، ومنطقة مليحة في الشارقة، ورميلة في مدينة العين، وقلعة البحرين. ونقع على تماثيل طينية من هذا الطراز مصدرها جزيرة فيلكا الكويتية. في المقابل، يضم المتحف الوطني ومتحف كلية الآداب الجامعي في صنعاء مجموعة كبيرة من هذه التماثيل تعود إلى مناطق متفرقة من محافظة مأرب. وتشهد هذه المجموعة المتعددة لحضور هذه التماثيل في جنوب شبه الجزيرة العربية، كما في أنحاء عدة من ساحل الخليج العربي. تتبنّى صناعة هذه التماثيل الصغيرة تقنية معروفة منذ أقدم العصور تعتمد الطين الأحمر المشويّ في النار كي يكتسب جفافاً وصلابة، واللافت أن غالبية هذه التماثيل المكتشَفة لم تصل بشكلها المتكامل، بل بشكل مجتزأ. هكذا ظهرت التماثيل الأنثوية الطينية نادراً في قوالبها الجامعة، وبدت في أغلب الأحيان بدناً فقد بعضاً من أعضائه، أو رأساً من غير بدن. يتبنّى هذا النتاج أسلوباً جامعاً قوامه التبسيط والتجريد والتحوير، ويظهر هذا التحوير بشكل خاص في إبراز مناطق محدّدة من الجسد بشكل ثابت.

تختزل التماثيل الأنثوية التي خرجت من ثاج الجمالية الخاصة التي طبعت هذا النتاج، وأشهر نماذجها منحوتة تميّزت بوجه ظهرت ملامحه بشكل متقن. فقدت هذه المنحوتة الجزء الأيمن من القسم الأعلى من جسدها، غير أنّ ما تبقّى منها يسمح باستكشاف تكوينها بشكل كامل. صُنع هذه التمثال من الصلصال الأحمر المطلي باللون العاجي، وفقاً للتقليد المتبع، وهو أشبه بقالب من كتلة واحدة تخلو من الفراغات، يعلوها رأس صغير يهبها طابعاً هرميّاً. يجسّد هذا التكوين امرأة بدينة تجلس عارية في وضعية القرفصاء، رافعة ذراعيها حول صدرها.

الوجه مُنفَّذ بدقة، وتتمثّل ملامحه بعينين كبيرتين واسعتين تحدّهما خطوط محفورة، وأنف بارز ومستقيم، وفم صغير مطبق الشفتين. الشعر الذي يعلو الرأس ضائع للأسف، وهو في الأصل شعر غزير كما يبدو، بقيت منه ضفائر تتدلى على أعلى الكتفين. العنق عريض وطويل، مطوّق بعقدين كبيرين يلتفان من حوله. الصدر بارز وضخم، وتحيط به الذراع اليسرى، ومن المؤكد أن الذراع اليمنى المفقودة كانت تتبع الحركة نفسها. الحوض ضخم للغاية، ويحدّه مثلّث زُيّن بشبكة من النقاط المحفورة. الأوراك عريضة للغاية كذلك، وتُشكّل كتلة ضخمة واحدة تخرقها في الجزء الأسفل منها قدمان صغيرتان حُدّدت أصابعهما بخطوط محفورة بشكل متوازٍ.

تعود هذه المنحوتة إلى القرون الثلاثة الأولى التي سبقت الميلاد كما تشير نتائج الحفرية الخاصة بالموقع الذي اكتُشفت فيه، وتمثّل نموذجاً أنثوياً ساد في ثاج، كما في سائر المواقع التي خرجت منها تماثيل طينية في الجزيرة العربية. لا يزال تحديد هويّة هذا النموذج ووظيفته سجالاً مفتوحاً بين أهل الاختصاص. بالتزامن مع ظهور الاكتشافات الأولى في ثاج، في نهاية الستينات من القرن الماضي، رأى العالم البريطاني توماس جيوفري بيبي أن هذه المثال يجسّد معبودة كانت تُعبد على نطاق واسع في تلك البقاع، وأن هذه المعبودة كان لها في كل منزل ركن خاص يحوي تمثالاً يجسّدها، ومجمرة وعُود يُتبخّر به. وفي غياب أي نصوص خاصة بالطقوس والعادات تعود إلى تلك الحقبة، بقيت هذه القراءة افتراضية، وشكّك فيها الكثير من العلماء.

تعدّدت الآراء في هذا الشأن، وقال البعض إن هذه التماثيل صُنعت كتعاويذ لغرض الإخصاب البشري أو الزراعي، وقال البعض الآخر إنها مجرّد دُمَى فحسب، والثابت أن الأدلة المتاحة إلى يومنا هذا لا تسمح بالإجابة عن هذا السؤال الشائك. في الواقع، تشكّل هذه التماثيل استمرارية لتقليد عابر للأزمنة والثقافات ساد منذ أقدم العصور، وتماثل بشكل لافت منحوتات تعود إلى الفترة الممتدة من الألفية السادسة إلى الألفية الخامسة قبل المسيح، مصدرها موقع تل حلف، شرق شمال سوريا، وغرب مدينة رأس العين، في منطقة ينابيع نهر الخابور، أكبر روافد الفرات.

في هذا المنحوتات الفراتية، تبدو المرأة جالسة، وتتميّز كذلك ببروز علامات أنوثتها، وفي الأخص صدرها الناتئ ووركها المكتنز، مع ذراعين ترتفعان وتلتفان حول الخصر. مال علماء الآثار إلى القول بأن هذه المرأة تمثّل المعبودة الأم التي احتلّت موقعاً رفيعاً في عقائد مجتمعات حضارة حلف، وقد صُنعت على شكل مخروطي آخذة وضعية الجلوس لتُعرَض في حاويات الحصاد، وذلك كي تحفظ الازدهار وتحميه، كما أنها كانت توضع كذلك فوق المحاريب في الأماكن المخصصة لأداء الطقوس الدينية لأغراض مشابهة.

برزت هذه المعبودة الأم في الأزمنة التي سبقت ظهور الكتابة المقروءة، والأرجح أنها كانت تجسّد الخصب والعطاء وازدهار الطبيعة، وقد وهبتها الحضارات اللاحقة التي عرفت الكتابة هذه الصفات نفسها، وجعلت منها أم الخليقة والخلائق. وعلى الصعيد الفني، تحمل تماثيل ثاج من حيث الشكل سمات هذا المثال، غير أن وظيفتها تبقى مجهولة، ولا ندري إن كانت هذه الوظيفة مشابهة لتلك التي أدّتها التماثيل الفراتية في قديم الزمان.


مقالات ذات صلة

محمد بن زايد والشرع يبحثان العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية

الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والرئيس السوري أحمد الشرع (وام)

محمد بن زايد والشرع يبحثان العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية

بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس السوري أحمد الشرع العلاقات الأخوية بين البلدين وسبل تعزيز التعاون المشترك بما يخدم مصالح الشعبين.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج مبنى الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ في الإمارات (وام)

الإمارات تُعفي السودانيين من غرامات الإقامة وأذونات الدخول حتى نهاية 2025

قررت الإمارات إعفاء الرعايا السودانيين من الغرامات المترتبة عليهم بشأن تصاريح الإقامة وأذونات الدخول.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية يوري سيزار يحتفل بهدفيه في الشارقة (نادي شباب الأهلي)

«كأس رئيس الإمارات»: شباب الأهلي يتوج باللقب للمرة الـ11

توج فريق شباب الأهلي بلقب كأس رئيس دولة الإمارات لكرة القدم، للمرة الحادية عشرة في تاريخه بعد فوزه على الشارقة 2 / 1 في المباراة النهائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج الإمارات ترفض مزاعم تسليح أطراف النزاع في السودان

الإمارات ترفض مزاعم تسليح أطراف النزاع في السودان

أكدت الإمارات رفضها القاطع لما ورد في تقرير نشرته منظمة غير حكومية بشأن مزاعم تتعلق بوجود أنظمة مدفعية من طراز «AH-4» في السودان.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا صورة من حساب القبطان المصري على «فيسبوك» قال إنها للسفينة خلال إبحارها لميناء الشارقة بالإمارات

قبطان مصري لسفينة عالقة في الإمارات يعلن انتهاء الأزمة

بعد يومين من إعلان وزارة الخارجية المصرية، متابعتها موقف سفينة عالقة قبالة سواحل الإمارات، تحمل مصريين، قال قبطان السفينة، محمد نبيل إن «الأزمة انتهت».

هشام المياني (القاهرة)

«الأصل والأثل والتوحيد»... البحث عن منشأ الحضارة والدولة

«الأصل والأثل والتوحيد»... البحث عن منشأ الحضارة والدولة
TT

«الأصل والأثل والتوحيد»... البحث عن منشأ الحضارة والدولة

«الأصل والأثل والتوحيد»... البحث عن منشأ الحضارة والدولة

يعتمد كتاب «الأصل والأثل والتوحيد... البحث عن الحضارة والدولة واللُّغة والديانة الأولى في المشرق الأدنى القديم» على البحوث الأثرية (الأركيولوجية) واللُّغوية، لمؤلفيه، من جامعة لوسيل بالدوحة د. عامر عبد الرزاق ضفَّار، ود. لبنى ناصر الدين، ومدير مركز «فامر» بإسطنبول الباحث أحمد معاذ يعقوب أوغلو.

يقع الكتاب الصادر حديثاً عن دار «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 558 صفحة من القطع المتوسط، ويضم خمسة فصول للدكتور عامر ضفار منها نصيب الأسد، إذ إنه مؤلف الكتاب ما عدا الفصل الرابع، الذي يتكوَّن من مبحثين طويلين، أحدهما للدكتورة لبنى، والآخر لأحمد معاذ أوغلو.

يركز الكتاب منذ الفصل الأول على مركز الوجود البشري، أو بتعبير الدكتور ضفار «الحضارة الأم» وليس الإنسان، مشيراً إلى أول دولة مدينة نشأت في التاريخ، ومؤصلاً لتاريخ اللغات السامية، وأيها كانت الأسبق، كما يتوالى البحث خلال فصول الكتاب عن نقاط التلاقي بين اللهجات السامية، وكذلك الفقه المقارن بين اللغة العربية واللغات الهندو - أوروبية بفروعها، سواء الإنجليزية والفرنسية واللاتينية، أو التركية والفارسية والكردية، كما يتعرَّض أيضاً للديانة الأولى (العقيدة الأم) لمصر والعراق والشام.

ويقول الدكتور ضفار في مقدمة الكتاب: «واستند هذا الكتاب إلى المصادر التي اعتمدت على علم الآثار واللغة والبحوث المحكّمة، واعتمدنا المنهج الوصفي النظري التحليلي للمصادر والنصوص، بالإضافة إلى المنهج المقارن التاريخي واللغوي والتلاقي اللّغوي من أجل الإجابة على الأسئلة المطروحة داخل المتن».

ويرى وفقاً لعدد من المؤرخين وعلماء الاجتماع أن «العمران» جاء من المشرق، ومن ثم انتشر في ربوع العالم، وهذا ما دعاه للتركيز على حضارة ولغة تلك المنطقة (المشرق)، الذي يشمل مصر والعراق والشام بشكل جوهري، مع عرض بعض الحضارات القديمة المعاصرة لتلك الحضارات.

وألمح الدكتور ضفار في الفصل الأول إلى بدايات العمران في العالم، معرِّجاً على عصور تكوُّن طبقات الأرض، ثم بدء الزراعة وتربية الحيوان، ومن ثم اللبنات الأولى في تكوُّن الحضارات.

ويحاول الكتاب الإجابة عن التساؤل القديم المتجدد: أين نشأت أقدم حضارة على وجه الأرض التي نعيش عليها؟ فهل يحسم البحث والعرض والتحليل جواباً شافياً؟ وهناك افتراضات من مصادر متنوِّعة حول كون جميع اللغات الإنسانية تعود في أصلها إلى لغة جزيرة العرب الأولى، وهذا أحد الموضوعات الأساسية التي انشغل الكتاب بدراستها، كما أنه راح يبحث ويحلل في أصل الكتابة، وما هي أقدم كتابة في العالم وأين؟ هل هي الكتابة المصرية أم السومرية؟ وهل الأقدم الأبجدية الأوغاريتية أم الكنعانية أم اليونانية؟

يتساءل ضفار في الفصل الثالث: «لكن ما اللّغة؟»، ليجيب: «إنّ اللّغة والكلام عندنا ليسا بشيء واحد، فإنّما هي منه بمثابة قسم معين وإن كان أساسيّاً، والحق يقال، فهي في الآن نفسه نتاج اجتماعي لملَكة الكلام، ومجموعة من المواضعات يتبنَّاها الكيان الاجتماعي ليُمكِّن الأفراد من ممارسة هذه الملَكة، وإذا أخذنا الكلام جملةً بدا لنا متعدِّد الأشكال متباين المقوِّمات موزَّعاً في الآن نفسه بين ميادين متعدِّدة بما فيها الفيزيائي والفيزيولوجي والنفسي، منتمياً في الآن نفسه إلى ما هو فردي وإلى ما هو اجتماعي، ولا يتسنَّى لنا ترتيبه ضمن أي قسم من أقسام الظواهر البشريَّة لأننا لا نستطيع أن نستخرج وحدته».

وفي المقارنة بين التأثيل والترسيس، يقول ضفار مستشهداً بآراء السابقين من علماء اللغة: «فالتأثيل هو ردّ الكلمة إلى أمّها المباشرة أو جدّتها المباشرة أو القريبة»، وأما الترسيس فهو: «إعادة اللفظة إلى جدّتها الأولى - حوّاء - في صورتها التي نطق بها أوّل إنسان، مع تعقّب المراحل التطوُّرية التي قطعتها تلك اللفظة حتى وصلت إلى الصورة التي نعرفها بها الآن في إحدى اللغات».

وفي المبحث الأول من الفصل الرابع تناقش الدكتورة لبنى ناصر الدين الفقه اللغوي المقارن بين اللغة العربية الفصحى واللغات الهندو أوروبية الغربية، خصوصاً الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.

تقول الدكتورة لبنى: «ظهر الاهتمام بالعلاقة بين اللغات السامية عموماً، والعربية خصوصاً، واللغات الهندية الأوروبية في وقتٍ مبكّرٍ من تاريخ الدراسات اللغوية المقارنة، حينما اتجهت المدرسة التاريخية في القرن التاسع عشر إلى تحليل اللغات على أسسٍ صوتيةٍ وصرفيةٍ بهدف إثبات القرابة اللغوية، وقد تميّزت تلك المرحلة بجهودٍ سعت للمقارنة بين اللغات الجرمانية والرومانسية من جهة، واللغات السامية من جهةٍ أخرى، دون الوصول إلى نتائج حاسمة».

وتستشهد بأمثلة تطبيقية، إذ يمكننا أن نعدَّ هذا الفصل بمبحثيه الجزء التطبيقي في الكتاب، لكثرة الشواهد والأمثلة التطبيقية التي يزخر بها.

وتختتم المبحث الأول قائلة: «وفي المجمل ما زالت هذه المقارنة تتطلّب دراساتٍ أعمق ومعاجم أوسع ووسائل تقنيةٍ أكثر تطوّراً، فضلاً عن ضرورة دراسة السياقات الحضارية التي صاحبت نشوء هذه اللغات وتطوّرها، ومن شأن هذا المسار البحثي أن يعزِّز فهمنا للتاريخ اللغوي العالمي، وأن يبرز مكانة اللغة العربية بين اللغات الكبرى، ويعزِّز حضورها في الساحة الأكاديمية والثقافية».

يأتي المبحث الثاني من الفصل الرابع بعنوان «في الفقه اللغوي المقارن بين اللغة العربية الفصحى واللغات الشرقية (الكردية والتركية والفارسية)»، وهو من تأليف أحمد معاذ يعقوب أوغلو، ويبدأه قائلاً: «إنّ ما يُطلق عليه اليوم (اللغة) هو (اللسان)، وما يُطلق عليه اليوم (اللهجة) هو (اللغة). أما المحكيات ضمن كل لغة فهي ما يلهج به أهل تلك البقعة، فهي اللّهجات، وما زلنا نقرأ أن هذه الجملة على لغة هذيل، وأن تلك الكلمة على لغة تميم... وكفى بالقرآن شاهداً ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾، لكن سترد اللّغة بمعنى اللسان كثيراً في هذا البحث جرياً على العادة».

ويقارن أوغلو بين تلك اللغات ويستشهد بأمثلة تطبيقية منها جميعاً، موضحاً أن اهتمامه في هذا المبحث: «مقارنة اللّغة العربية الفصحى مع ثلاث لغات تنتمي إلى عائلتين مختلفتين، وكلتاهما تختلف عن العائلة التي تنتمي إليها العربية، ومع ذلك فقد كانت هناك مجالاتٌ تحوي مساراتٍ تتوازى بها العربية مع واحدة منها أو أكثر، ومساراتٍ أخرى تتقاطع العربية فيها مع لغةٍ من لغات البحث أو أكثر».

أما الفصل الخامس فركز فيه الدكتور ضفار على «الديانة الأولى» في منطقة الشرق القديم: مصر والعراق والشام، ليخلُص إلى أن ديانة التوحيد قديمة قدم الإنسان في كل الحضارات القديمة، سواء استطعنا الاستدلال على ذلك، أم توصَّلنا إليه بشواهد العلم والعقل والمنطق، والشاهد الأقوى هو أن جميع الحضارات القديمة قد عرفت التوحيد وتركت آثاراً تدلُّ عليه، مؤكداً ذلك بقوله: «الديانة الأولى للحضارات القديمة في المنطقة هي التوحيد، وليس صحيحاً ما يُشاع غير ذلك».

OSZAR »