«النباح الأخير»... قصص تستحضر ذاكرة الأمكنة

«النباح الأخير»... قصص تستحضر ذاكرة الأمكنة
TT

«النباح الأخير»... قصص تستحضر ذاكرة الأمكنة

«النباح الأخير»... قصص تستحضر ذاكرة الأمكنة

عن دار «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن، أصدر الكاتب الأردني مفلح العدوان مجموعته القصصية الثامنة «النباح الأخير»، ويعاين فيها حكايات وتجليات أحداث كثير من الأمكنة التي عايشها، مازجاً في كتابته السرد بالشعر، مستشهداً ببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وبعض من تراث الديانات السماوية الأخرى. يحتوي الكتاب على 14 نصاً قصصياً، بدأه العدوان بتنويه تنفكُّ رموزه شيئاً فشيئاً، خلال قراءة قصص الكتاب؛ يقول فيه:

«الذاكرة في طريقها إلى خزائن النسيان..

قصص المكان موزّعة بين الآلهة والبشر..

ولا شاهد عليها إلا ما تبقّى من نقوش الحَجَر!».

ويشير في مستهل مجموعته إلى أهمية الأبعاد المعرفية في محتوى الكتاب، موجهاً القراء بقوله إن «الهامش مفتاح المتن فلا تهملوه». وفي أولى قصص المجموعة «النباح الأخير»، يستلهم قصة «قطمير»؛ كلب أهل الكهف، راوياً بعض أحداثها، وبعدها تتوالى قصصه حول الأمكنة.

ومن خلال عناوين القصص، منها «برج الناقة»، و«لفائف القلعة»، و«أيقونات مبتورة الرأس»، و«مسيح عفرا»، و«بانتظار المخلّص» يؤنسن العدوان في قصصه تفاصيل المدن والأمكنة التي عايشها وزارها، عبر سرد حكايتها وأحداثها والشخوص الذين أسسوا لمدونة ذاكرتها وتاريخها، موائماً في قصصه بين خيال الأدب القصصي، وصدقية المعلومة التاريخية، معززاً رؤيته بزخم من الموروث الديني والشعبي، وهالة الأساطير والحكايات الجمعية الإنسانية.

ويقدم الكاتب، بحساسية شاعرية، جوانب مختلفة من الدلالات والإسقاطات للموضوعات والأفكار التي تناولها في قصصه، واضعاً إياها في إطار إعادة القراءة للموروث وفق رؤيته، ومخياله، وبما يتواءم مع موقفه ووعيه للتاريخ والأديان والأساطير والحكايات الشعبية، واضعاً لها إطاراً يتلمس فيه محاكاة واعية محمولة في جوانب منها على حقيقة متوارثة، وفي مساحات كثيرة فيها مجاز لغة، وانحياز لقراءة مغايرة للموروث الشعبي، والتاريخي المقدس، والذاكرة الجمعية المستنسخة عبر تراكم الأزمنة.

مفلح العدوان قاص وروائي وكاتب مسرح وسيناريو وصحافي، مواليد الزرقاء في الأردن عام 1966م، مؤسس ورئيس مختبر السرديات الأردني لعدة دورات، عمل مديراً لوحدة الشؤون الثقافية في الديوان الملكي الهاشمي - الأردن، ومديراً للمركز الثقافي الملكي في وزارة الثقافة الأردنية، وكاتباً في جريدة «الرأي» الأردنية. أصدر أكثر من عشرين كتاباً في القصة القصيرة والرواية، والمسرح، والرحلات، وفاز بالعديد من الجوائز العربية والعالمية، منها جائزة محمود تيمور للقصة على مستوى مصر والوطن العربي من المجلس الأعلى للثقافة في مصر عن مجموعة «الرحى» 1995، وجائزة جامعة فيلادلفيا لأحسن كتاب في العلوم الإنسانية 2017، كما حاز جائزة «الطائر» للتبادل الثقافي بين الأردن ومدينة درم البريطانية، الدورة الأولى 2018.


مقالات ذات صلة

بركة: أبحث عن أرض عذراء أزرع فيها شجرتي الروائية

ثقافة وفنون  الروائي والكاتب الصحافي محمد بركة

بركة: أبحث عن أرض عذراء أزرع فيها شجرتي الروائية

يعدّ الروائي والكاتب الصحافي محمد بركة حالة خاصة في المشهد الثقافي المصري، فمع كل رواية يصدرها يثبت وجوده كأحد الأسماء المهمة

عمر شهريار (القاهرة)
ثقافة وفنون «سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري

«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت حديثاً رواية «سيرة هشّة ليوم عادي» للكاتب المصري عبد الكريم الحجراوي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى»... كتاب جديد لماجد كيالي

«من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى»... كتاب جديد لماجد كيالي

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/ عمان صدر أخيراً للكاتب السياسي الفلسطيني ماجد كيالي كتاب جديد

«الشرق الأوسط» (عمَّان)
كتب رحيل جوزيف ناي مبتكر نظرية «القوة الناعمة»

رحيل جوزيف ناي مبتكر نظرية «القوة الناعمة»

لمع اسم جوزيف صموئيل ناي جونيور، أحد أبرز المفكرين والممارسين الأميركيين في مجال العلاقات الدولية الذي غادر عالمنا هذا الأسبوع عن عمر يناهز 88 عاماً

ندى حطيط (لندن)
كتب «فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية

«فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية

تبدو العين الأنثوية مهيمنة في رصد التفاصيل الحياتية الصغيرة والتقاط أوجاع الروح المسكوت عنها في المجموعة القصصية «فتيات الكروشيه»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري

«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري
TT

«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري

«سيرة هشّة ليوم عادي»... رواية تستعيد حميمية الريف المصري

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت حديثاً رواية «سيرة هشّة ليوم عادي» للكاتب المصري عبد الكريم الحجراوي، التي تدور أحداثها في 24 ساعة فقط. يرتكز العمل في بنيته السردية على التفاصيل البسيطة التي تتمتع بملامسة خاصة، وتصنع عالماً واسعاً ومتشعباً، على غرار لوحات الفسيسفساء لمشاهد حميمية من الريف المصري في نسخته الصعيدية بجنوب البلاد.

يسعى المؤلف إلى تحويل ما هو عادي ومألوف، مثل طقوس الاستيقاظ من النوم وتربية الطيور ولحظات انفلات الأعصاب وملابس الرجال والنساء، إلى مشاهد تحمل معاني إنسانية أكثر رهافة وعمقاً، لكن بعض المشاهد جاءت محملة بحسّ تقريري مباشر ولغة وصفية فوتوغرافية، أفقدت السرد الدهشة المطلوبة.

واللافت أنه يمكن قراءة الرواية من أي فصل من فصولها، التي تم تقسيمها زمنياً على نحو يتخذ من الوقت وحركة الشمس المتدرجة على مدار اليوم علامات دالة تصنع عنوان كل فصل، مثل «الفجر»، «الصبح»، «الشروق»، «البكور»، «الغدوة»، «الضحى»، «الرواح»، «الأصيل»، «الشفق».

يصدّر المؤلف روايته بكلمة لافتة، يقول فيها: «هذا يوم رتيب بذلت قصارى جهدي في أن يبدو كذلك»، كما يتوجه في موضع آخر إلى القارئ قائلاً: «لك أيها القارئ الحرية الكاملة في قراءة هذه السيرة الهشّة ليوم عادي من أي وقت تختاره من أوقاته الأربعة والعشرين دون الالتزام بالتسلسل الموجود هنا، ولن يؤثر ذلك في حبكة النصّ الخالي من الحبكة تماماً».

وفي موضع ثالث يستعيد مقولة للأديب الروسي الأشهر: «يقول أنطون تشيخوف إن المسدس الذي يظهر في المشهد الأول لا بد أن يطلق النار في المشهد الأخير، أما هنا فتظهر مئات المسدسات في كل مشهد لكنها لا تطلق النار أبداً».

يذكر أن عبد الكريم الحجراوي كاتب وأكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه في النقد المسرحي من كلية الآداب جامعة القاهرة، وتعدّ «سيرة هشّة ليوم عادي» روايته الأولى المنشورة، بعد روايتين لم ينشرا بعد، هما «ما قبل الرحيل» و«هند»، وله مساهمات أدبية ونقدية متنوعة، منها: «المسرحية الشعرية العامية في مصر - دراسة تحليلية»، «تجليات السير الشعبية في المسرح العربي - دراسة تداولية»، «صدمة التوحش - صورة (داعش) في المسرح العربي»، «الهوية - رؤية مأساوية للعالم»، وله تحت الطبع «معجم المسرح السيري - ببليوغرافيا شارحة لاستلهامات السير الشعبية في المسرح العربي من 1847 إلى 2022».

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«البرد شديد هنا، لقد انتصف شهر (طوبة) والعشرة الأواسط منه أشدّها زمهريراً، والسّحر أشد أوقات الليل صقيعاً يجمد الأطراف. إنه برد الأربعين يوماً القارسة في كياك وطوبة. ترفع (سورية) الغطاء المحبوك بمغزل من الصوف بهمة لا تتناسب مع سنواتها التي قاربت السبعين، متحدية الصقيع الذي يدبّ صداه في العظم مباشرة.

أطلق عليها والدها هذا الاسم إبان الوحدة بين مصر وسوريا من عقود خلت. تذكر (سورية) الله بصوت خافت وتناجيه باسمه الفتاح العليم، وحينما تنتهي من المناجاة تقبل يديها وتمسح بها على وجهها الذي ينكمش من صقيع اليدين اللتين تلامسانه. وجه لا يبين منه شيء في الظلام، ولا يسمع سوى خشخشة حراكه، تسند يدها إلى الحائط الطيني كي ترفع نفسها من على الحصير الذي تفترشه على الأرض.

ما إن تكتمل قامتها في الانتصاب وينزلق الغطاء الصوفي حتى تسري البرودة في جسدها أكثر فأكثر، تسير بخطوات وئيدة عاقدة العزم على أن تشعل ناراً لعلها تدفئ برد هذا الشتاء وتطرد صقيعه متنبئة بصيف شديد الحرارة سيأتي، لا تعرف هل ستكون من أهله أم من أهل القبور.

تخرج من غرفتها الطينية الكائنة في الجانب الجنوبي من المنزل متجهة إلى الغرف الطينية في الجانب الشمالي منه حيث يهجع ابنها الأصغر (شيبان) وزوجته (شادية). وفي البهو غير المسقوف الواصل بين الجانبين، تردد (سورية) وهي ترتعد فرائصها برداً: طوبة تخلي الصبية جلدة والعجوزة قردة، طوبة تخلي الشابة كركوبة».

OSZAR »