فعلها ترمب... وماذا بعد؟

ترمب يتحدث عن الضربات الأميركية على إيران في 21 يونيو 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث عن الضربات الأميركية على إيران في 21 يونيو 2025 (أ.ف.ب)
TT

فعلها ترمب... وماذا بعد؟

ترمب يتحدث عن الضربات الأميركية على إيران في 21 يونيو 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث عن الضربات الأميركية على إيران في 21 يونيو 2025 (أ.ف.ب)

كانت المفاجأة الكبرى عندما أطلقت إسرائيل الطلقة الأولى على إيران لتخلق ديناميكيّة عسكريّة جديدة في المنطقة، ولترسم موازين قوى جديدة. ردّت إيران بإطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل. وبذلك، يكون الفريقان قد خلقا معادلة لا تماثليّة ترتكز على نعمة ونقمة المساحة في الوقت نفسه. فما المقصود بذلك؟

ترى إيران أن حجم مساحتها - الأكبر من إسرائيل بمعدّل 75 مرّة، وتبلغ 1.6 مليون كلم2 - نعمة ونقمة في الوقت نفسه. هي نعمة لأنها تعطي إيران قدرة توزيع أهدافها ذات القيمة الاستراتيجيّة على مساحة واسعة تُصعّب عملية تدميرها من قبل إسرائيل. وهي نقمة في الوقت نفسه؛ لأنه من الصعب تأمين الحماية الجوّيّة الكاملة لكل هذه المستحة الكبيرة.

في المقابل، تعد مساحة إسرائيل الصغيرة نسبياً (22145 كلم2) نعمة لأنها تسمح لها بتأمين الحماية الجويّة الكاملة لكل أراضيها، لكنها نقمة لأنها تُكثّف الأهداف ذات القيمة الاستراتيجيّة في مساحة صغيرة، الأمر الذي يُعرّضها للتدمير، مثلما حدث في حيفا.

لكن الأكيد أن هذه المعادلة كي تقوم وتستمرّ، فيجب توفّر البُعد اللوجيستيّ، أي عدد الصواريخ الباليستيّة في المخزون الإيرانيّ من جهّة، ومن جهّة أخرى توفّر الصواريخ الاعتراضية لدى إسرائيل.

بعد الطلقة الأولى، تحوّلت الحرب إلى حرب استنزاف وبامتياز بين البلدين، استهلاك الصواريخ الباليستية مقابل استهلاك صواريخ الدفاعات الجويّة، الأمر الذي يُذكّرنا بالمفكّر الراحل الكبير مايكل هاوارد، الذي رأى أن اللوجيستيّة هي البُعد الأهم للاستراتيجيّة.

بعد الضربة الأميركيّة على المشروع النوويّ الإيرانيّ، غيّرت الولايات المتحدة ديناميكيّات المنطقة، لتُضيف ثقلاً نوعياً وإيجابياً على المنظومة العسكريّة الإسرائيلية. لكن الأسئلة المهمّة تبقى هي: كيف يُمكن قياس نجاح الضربة الأميركية؟ كيف يُمكن التأكّد من دمار المشروع النوويّ بالكامل؟ ماذا يعني نقل مواد من منشأة «فوردو» النووية إلى مكان مجهول قبيل الضربة الأميركيّة؟ وهل ستنهي إيران الحرب بتجرّع السم كما حصل في الحرب العراقيّة - الإيرانيّة؟

في الرد الإيراني

لافتة تحمل شعار «كلنا جنود إيران» في شوارع العاصمة طهران (أ.ف.ب)

حالياً تستمرّ إيران في استهداف إسرائيل مباشرة؛ لأن اللعبة بين الاثنين أصبحت مكشوفة ومهددة بأن تتحوّل إلى حرب استنزاف؛ فالرد الإيراني يحدث حالياً على إسرائيل ولا تداعيات من أميركا مباشرة عليه، كونه يندرج في نمط كان قد بدأ منذ 11 يوماً.

وإذا كانت إيران غير قادر على تجاهل الهجمة الأميركيّة، وعليها أن تردّ في وقت ما فإنها حتماً ستأخذ في الحسبان الأمور التالية: وضعها العسكريّ في الحرب الدائرة وما تبقّى من إمكاناتها، وهل هي قادرة على مواجهة كل من إسرائيل وأميركا في الوقت نفسه، في ظل الحشد العسكري الأميركي غير المسبوق في المنطقة، وفي ظل انكشاف الداخل الإيراني بشكل مأساوي. فماذا عن بعض سيناريوهات الردّ الإيرانيّ؟

هجوم سيبرانيّ: لا يمكن عدُّ هذا النوع من الهجوم على أنه يُشفي غليل إيران بعد الهجمة الأميركيّة؛ فهو هجوم لا يُقاس بمعنى النصر أو الردّ. وإذا حدث هذا النوع من الهجوم، فمن الضروري أن يكون ضمن هجوم أكبر متعدّد الأبعاد.

مضيق هرمز: هدّدت إيران مراراً بإغلاق هذا المضيق، كما أجرت الكثير من المناورات، مؤكدة أن إغلاق المضيق يُشكّل عملاً ردعياً، لكن إيران لا تملك الهيمنة البحريّة في ظلّ الوجود الأميركيّ البحري الكثيف، غير أنها تملك كثيراً من الوسائل لتهديد أمن المضيق، مثل الألغام البحريّة، والقوارب السريعة، بالإضافة إلى غواصات، وصواريخ مضادة للسفن برّ - بحر، لكن إغلاق المضيق سيضرّ حتماً بمصالح إيران نفسها، وأيضاً مصالح دول الخليج.

استعمال الوكلاء: عندما اعتمدت إيران استراتيجيّة الدفاع المتقدّم من المنطقة، كان لوكلائها مهمّة الدفاع عن الأصيل في الداخل الإيراني. وبعد «طوفان الأقصى» سقط الوكيل، كما سقطت المنظومة الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، وأصبحت الحرب في الداخل الإيراني. وبذلك، تخطّت ديناميكيّة اللعبة الجيوسياسيّة للوكلاء، بحيث أصبح دورهم هامشياً، لكنهم سيكونون فعّالين في حالة اعتمدت إيران حرب استنزاف طويلة في المنطقة، وهذا الأمر يتوقّف على قدرة إيران على الاستمرار في هذه الحرب.

هجوم مباشر على القوات الأميركيّة: قد يأخذ الرد شكلاً لا يثير حفيظة الرئيس ترمب، وفي الوقت نفسه يمكن تفسيره على أنه رد على الضربة الأميركيّة، رغم أنه حتماً لن يكون كما كان الردّ في عام 2020 بعد اغتيال قاسم سليمانيّ. وهنا تظهر القواعد الأميركيّة في المنطقة، مع وجود أكثر من 30 ألف جندي أميركيّ، فهل ستُقدم إيران على ضربها أم ستذهب إلى مناطق أقلّ حساسيّة وبعيدة نسبياً عن منطقة الخليج، وبها أيضاً قوات أميركيّة مثل سوريا والعراق؟

في عام 2006، أعلنت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة آنذاك، كوندوليزا رايس، عن «الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد». لكن بعد تعثّر إسرائيل في القضاء على «حزب الله» حينها، أعلن أيضاً المرشد الإيرانيّ علي خامنئي عن «شرق أوسط جديد» لكن بصفات إيرانيّة.

والآن تدور الحرب داخل إيران، وسقط المشروع الإيراني في المنطقة، فأي «شرق أوسط جديد» سنشهد في المرحلة المقبلة؟ حتى الآن، لا تزال غبار الحرب تغطّي على صورة مستقبل الشرق الأوسط، لكن الأكيد أنه سيكون بمواصفات عربية بحتة.


مقالات ذات صلة

استخدام «القوة العسكرية الساحقة»... «عقيدة ترمب» تبرر الضربات الأميركية على إيران

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسير بعد ترجله من الطائرة الرئاسية (أ.ب) play-circle

استخدام «القوة العسكرية الساحقة»... «عقيدة ترمب» تبرر الضربات الأميركية على إيران

عندما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقصف مواقع نووية إيرانية يوم الأحد بقاذفات «بي-2»، تجاوز تردده المعتاد في استخدام القوة العسكرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة من القمر الاصطناعي تُظهر حفراً في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم عقب غارات جوية أميركية وسط الصراع الإيراني الإسرائيلي (رويترز) play-circle

البيت الأبيض: إيران لم تنقل مخزونها من اليورانيوم المخصّب قبل الضربات الأميركية

أكّد البيت الأبيض، أمس الأربعاء، أنّ إيران لم تنقل مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب قبل الضربة العسكرية التي وجّهتها الولايات المتّحدة لثلاث منشآت نووية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية أحد أفراد «الحرس الثوري» يقف للحراسة في ساحة «انقلاب الثورة» وسط العاصمة طهران (أ.ب)

السلطات الإيرانية تعتقل 26 شخصاً على الأقلّ بتهمة «التعاون» مع إسرائيل

أفادت وسائل إعلام إيرانية، الأربعاء، أنّ ما لا يقلّ عن 26 شخصاً اعتُقلوا في محافظة خوزستان في جنوب غرب البلاد بتهمة التعاون مع إسرائيل

«الشرق الأوسط» (طهران)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف (أ.ف.ب) play-circle

«سي آي إيه»: ضرباتنا دمرت عدة منشآت نووية إيرانية بالكامل

قال مدير الـ«سي آي إيه» جون راتكليف، إن معلومات استخباراتية جديدة، تم الحصول عليها عبر وسائل موثوقة، أظهرت أن عدة منشآت نووية إيرانية رئيسية دمرت بالكامل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث يتحدث بجوار الرئيس «دونالد ترمب» (أرشيفية - رويترز)

ترمب: وزير الدفاع سيعقد غداً مؤتمراً صحافياً بشأن تدمير النووي الإيراني

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إن وزير الدفاع بيت هيجسيث سيعقد مؤتمراً صحافياً «مهماً» صباح غد الخميس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السلطات الإيرانية تعتقل 26 شخصاً على الأقلّ بتهمة «التعاون» مع إسرائيل

أحد أفراد «الحرس الثوري» يقف للحراسة في ساحة «انقلاب الثورة» وسط العاصمة طهران (أ.ب)
أحد أفراد «الحرس الثوري» يقف للحراسة في ساحة «انقلاب الثورة» وسط العاصمة طهران (أ.ب)
TT

السلطات الإيرانية تعتقل 26 شخصاً على الأقلّ بتهمة «التعاون» مع إسرائيل

أحد أفراد «الحرس الثوري» يقف للحراسة في ساحة «انقلاب الثورة» وسط العاصمة طهران (أ.ب)
أحد أفراد «الحرس الثوري» يقف للحراسة في ساحة «انقلاب الثورة» وسط العاصمة طهران (أ.ب)

أفادت وسائل إعلام إيرانية، الأربعاء، أنّ ما لا يقلّ عن 26 شخصاً اعتُقلوا في محافظة خوزستان في جنوب غرب البلاد بتهمة التعاون مع إسرائيل، في خطوة تأتي بعد يومين من توصل الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية إلى وقف لإطلاق النار أنهى حرباً بينهما استمرت 12 يوماً.

وقالت وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية، إنّ أجهزة استخبارات «الحرس الثوري» اعتقلت هؤلاء الأفراد «الذين تم تحديدهم كعملاء أو مشاركين عن غير قصد في الحرب الأخيرة التي فرضها الكيان الصهيوني».

ونقلت الوكالة عن بيان لأجهزة استخبارات «الحرس الثوري»، أنّ «معظمهم اعترفوا بأفعالهم التي شملت أنشطة أمنية، وإثارة اضطرابات عامة، وأعمال تخريب».

وتأتي هذه الاعتقالات بعد أن أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي الليفتنانت-جنرال إيال زامير، أنّ «وحدات كوماندوس برية" عملت في إيران خلال الحرب.

وقال زامير: «قواتنا عملت سرّا في عمق أراضي العدو».

وتعلن إيران بانتظام عن اعتقال وإعدام أشخاص بتهمة عملهم لحساب أجهزة استخبارات أجنبية، بينها الموساد.

وتعهّدت الحكومة الإيرانية، الأحد، تسريع المحاكمات في قضايا التجسّس، وذلك في أعقاب الهجوم الذي شنّته إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) وبدا واضحا أنّه استند إلى بيانات استخباراتية دقيقة للغاية.

وقال رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجائي، عبر التلفزيون الرسمي الأحد «سيتم التعامل بشكل أسرع مع القضايا المتعلقة بالأمن، وبخاصة تلك المتعلقة بدعم النظام الغاصب (إسرائيل) وبالعمل كطابور خامس للعدو».

ومحافظة خوزستان المحاذية للعراق هي المنطقة الرئيسية المنتجة للنفط في إيران وقد استهدفت ضربات إسرائيلية عديدة فيها «بنى تحتية عسكرية».

OSZAR »