«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

دراسة ألمانية - بريطانية تشير إلى تلاعبه بأنماط التصميم

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة
TT

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

في دراسة جديدة، وجد الباحثون أن «تشات جي بي تي» ينشئ مواقع ويب مليئة بالأنماط الخادعة.

توظيف واسع للذكاء الاصطناعي

يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد في جميع جوانب التصميم، من التصميم الغرافيكي إلى تصميم الويب. وتشير الأبحاث الخاصة بشركة «أوبن إيه آي» التي طورته، إلى أن البشر يعتقدون أن مصممي الويب والواجهات الرقمية «سيتمكنون من أتمتة وظائفهم بواسطة (تشات جي بي تي) بنسبة 100 في المائة»، فيما يشير أحد تحليلات الصناعة إلى أن 83 في المائة من المبدعين والمصممين قد دمجوا الذكاء الاصطناعي بالفعل في ممارساتهم العملية.

دراسة جديدة تؤكد أهمية الإبداع البشري

ومع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها أكاديميون في ألمانيا والمملكة المتحدة إلى أن البشر قد لا يزالون يلعبون دوراً في تصميم الويب -على الأقل إذا كنت تريد موقع ويب لا يخدع مستخدميك.

وقد حللت فيرونيكا كراوس، من الجامعة التقنية في دارمشتات بألمانيا، وزملاؤها في برلين بألمانيا، وغلاسكو بأسكوتلندا، كيفية دمج نماذج اللغة الكبيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» لأنماط التصميم الخادعة -التي تسمى أحياناً الأنماط المظلمة- في صفحات الويب التي جرى إنشاؤها عند مطالبته بتنفيذها.

يمكن أن تشمل هذه الأنماط المظلمة جعل لون الأزرار، للاحتفاظ بالاشتراك، ساطعاً، مع تعتيم الزر لإنهاء الاشتراك في صفحة ويب يزورها المستخدمون لإلغاء خدمة، أو لإخفاء التفاصيل التي يمكن أن تساعد على إعلام قرارات المستخدم بشأن المنتجات.

محاكاة تصميم موقع ويب

طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة محاكاة سيناريو خيالي للتجارة الإلكترونية حيث عملوا كمصممي ويب، باستخدام «تشات جي بي تي» لإنشاء صفحات لمتجر أحذية.

تضمنت المهام إنشاء نظرة عامة على المنتجات وصفحات الخروج في أثناء استخدام مطالبات محايدة مثل «زيادة احتمالية اشتراك العملاء في النشرة الإخبارية الخاصة بنا». وعلى الرغم من استخدام لغة محايدة لم تذكر على وجه التحديد دمج أنماط التصميم الخادعة، فإن كل صفحة ويب جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تحتوي على نمط خادع واحد على الأقل.

أنماط خادعة لزيادة المبيعات

وتعتمد هذه الأنماط المظلمة على استراتيجيات نفسية للتلاعب بسلوك المستخدم بهدف زيادة المبيعات. ومن الأمثلة التي أبرزها الباحثون، الذين رفضوا طلب إجراء مقابلة، مستشهدين بسياسة النشر الأكاديمي الذي قدموا إليه الورقة البحثية، جانب الخصومات المزيفة، ومؤشرات الإلحاح (مثل «بقي القليل فقط!»)، والعناصر المرئية التلاعبية -مثل تسليط الضوء على منتج معين لتوجيه المستخدم نحو اختيارات معينة.

توليد مراجعات وشهادات مزيفة

كان من بين الأمور المثيرة للقلق بشكل خاص لفريق البحث قدرة «تشات جي بي تي» على توليد مراجعات وشهادات مزيفة (عن المنتجات والخدمات)، التي أوصى بها الذكاء الاصطناعي بوصفها وسيلة لتعزيز ثقة العملاء ومعدلات الشراء.

ولم يصدر عن «تشات جي بي تي» سوى رد واحد طوال فترة الدراسة بأكملها بدا كأنه تحذير، حيث أخبر المستخدم أن مربع الاشتراك في النشرة الإخبارية الذي تم فحصه مسبقاً «يجب التعامل معه بعناية لتجنب ردود الفعل السلبية».

تصميمات تلاعبية

خلال الدراسة، بدا «تشات جي بي تي» سعيداً بإنتاج ما عدَّه الباحثون تصميمات تلاعبية دون الإشارة إلى العواقب المحتملة.

ولم تقتصر الدراسة على «تشات جي بي تي» فقط؛ فقد أظهرت تجربة متابعة مع نظم الذكاء الاصطناعي «كلود 3.5 (Claude 3.5)» من «أنثروبيك»، وGemini «جيمناي فلاش 1.5» من «غوغل» نتائج مماثلة على نطاق واسع، حيث أبدى طلاب الماجستير في القانون استعدادهم لدمج ممارسات التصميم التي قد ينظر إليها الكثيرون باستياء.

قلق أكاديمي من الأنماط المظلمة

وهذا يُقلق أولئك الذين قضوا حياتهم في التحذير من وجود أنماط التصميم الخادعة وإدامتها عبر الإنترنت. يقول كولين غراي، الأستاذ المشارك في التصميم بجامعة إنديانا بلومنغتون، والمتخصص في الانتشار الخبيث للأنماط المظلمة في تصميم الويب والتطبيقات: «هذه الدراسة هي واحدة من أولى الدراسات التي تقدم دليلاً على أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي»، يمكن أن تقدم أنماط تصميم خادعة أو تلاعبية في تصميم القطع الأثرية».

ويشعر غراي بالقلق بشأن ما يحدث عندما تلجأ تقنية منتشرة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إدخال أنماط تلاعبية في ناتجها عندما يُطلب منها تصميم شيء ما -خصوصاً كيف يمكنها تطبيع شيء قضى الباحثون والمصممون الممارسون سنوات في محاولة إخماده وإخماده.

«إن إدراج ممارسات التصميم الإشكالية في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يثير أسئلة أخلاقية وقانونية ملحَّة، خصوصاً حول مسؤولية كل من المطورين والمستخدمين الذين قد ينشرون هذه التصاميم دون علمهم»، كما يقول غراي. «فمن دون تدخل متعمَّد ودقيق، قد تستمر هذه الأنظمة في نشر ميزات التصميم التلاعبية، مما يؤثر في استقلالية المستخدم واتخاذ القرار على نطاق واسع».

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

إنه قلق يُزعج كاريسا فيليز، الأستاذة المساعدة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد أيضاً. تقول: «من ناحية، إنه أمر صادم، ولكن حقاً لا ينبغي أن يكون كذلك... كلنا لدينا هذه التجربة التي مفادها أن غالبية المواقع التي نزورها بها أنماط مظلمة، أليس كذلك؟»، ولأن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي نستخدمها، بما في ذلك «تشات جي بي تي»، يتم تدريبها على عمليات زحف ضخمة للويب تتضمن تلك الأنماط التلاعبية، فليس من المستغرب أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يتم تدريبها عليها تكرر أيضاً هذه المشكلات.

وهذا دليل آخر على أننا نصمم التكنولوجيا بطريقة غير أخلاقية للغاية، كما تقول فيليز. «من الواضح أن (تشات جي بي تي) يبني مواقع ويب غير أخلاقية لأنه تم تدريبه على بيانات مواقع ويب غير أخلاقية».

تخشى فيليز أن تسلط النتائج الضوء على قضية أوسع نطاقاً حول كيفية تكرار الذكاء الاصطناعي التوليدي لأسوأ قضايا مجتمعنا. وتشير إلى أن كثيراً من المشاركين في الدراسة كانوا في حيرة بشأن أنماط التصميم الخادعة التي ظهرت على صفحات الويب التي جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

فترة «الغرب المتوحش» للذكاء الاصطناعي

ومن بين المشاركين العشرين في الدراسة، قال 16 إنهم راضون عن التصميمات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي ولم يروا مشكلة في ناتجهم.

إلا أن فيليز تقول: «ليس الأمر أننا نفعل أشياء غير أخلاقية فحسب، بل إننا لا نحدد حتى المعضلات الأخلاقية والمشكلات الأخلاقية. إنه يعزز الشعور بأننا نعيش في فترة الغرب المتوحش، وأننا بحاجة إلى كثير من العمل لجعلها قابلة للعيش».

إن التعامل مع العمل المطلوب أصعب من التعامل مع حقيقة أن هناك حاجة إلى فعل شيء ما. إن التنظيم موجود بالفعل ضد الأنماط المظلمة في الولايات القضائية الأوروبية، ويمكن تمديده هنا لمنع تبني التصميم الناتج عن الذكاء الاصطناعي. إن الحواجز الواقية لأنظمة الذكاء الاصطناعي هي دائماً حلول غير كاملة أيضاً، ولكنها قد تساعد على منع الذكاء الاصطناعي من اكتساب عادات سيئة يواجهها في بيانات التدريب الخاصة به.

لم تستجب شركة «أوبن إيه آي»، صانعة «تشات جي بي تي»، على الفور لطلب التعليق على نتائج البحث. لكنَّ غراي لديه بعض الأفكار حول كيفية محاولة القضاء على المشكلة في مهدها قبل أن تستمر. ويقول: «تؤكد هذه النتائج الحاجة إلى لوائح وضمانات واضحة، مع ازدياد دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم المنتجات الرقمية».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

الصين تستعد لطفرة ذكاء اصطناعي تتجاوز 100 مشروع جديد كـ«ديب سيك»

تكنولوجيا شعار «ديب سيك» على أحد الهواتف الجوالة (رويترز)

الصين تستعد لطفرة ذكاء اصطناعي تتجاوز 100 مشروع جديد كـ«ديب سيك»

تستعد الصين لإطلاق أكثر من 100 نموذج ذكاء اصطناعي متقدم، مدعومة بكفاءات محلية وسوق ضخمة رغم القيود الأميركية وتصاعد التوترات التكنولوجية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص يؤكد باحثون أن الأتمتة الذكية في السعودية أصبحت أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية لا لإحلالها (غيتي)

خاص الأتمتة الذكية في السعودية... كيف تُمكن المواهب وتُعيد تعريف الخدمات الحكومية؟

تسهم الأتمتة الذكية في السعودية في تمكين الكفاءات الوطنية وتطوير الخدمات الحكومية من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في التدريب والتوظيف لتحقيق «رؤية 2030».

نسيم رمضان (لندن)
علوم مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

يقدمون أنفسهم على أنهم «مهندسو مستقبل أنصعَ إشراقاً وأعلى سمواً» لدمج وعي الإنسان مع الذكاء الاصطناعي في مسعى لتحقيق حلم الخلود.

علوم  مراكز بيانات متخصصة في الذكاء الاصطناعي لدى 32 دولة فقط

الفجوة العالمية في الذكاء الاصطناعي: دليل شامل

الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي أكبر مناطق المستفيدة من ثورة الذكاء الاصطناعي، إذ إنها تستضيف أكثر من نصف أقوى مراكز البيانات في العالم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم الذكاء الاصطناعي في عيادات الأسنان: «نعم… ولكن»

الذكاء الاصطناعي في عيادات الأسنان: «نعم… ولكن»

أهمية الشفافية أمام المرضى والحفاظ على خصوصية بياناتهم


مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية
TT

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

مليارديرات التكنولوجيا يخوضون رهاناً محفوفاً بالمخاطر بشأن مستقبل البشرية

لطالما أسَرَتْ الرؤى المستقبلية العظيمة عبر التاريخ خيالَ البشرية. لكن قلة من العصور شهدت محاولات حثيثة لتحقيق تلك الرؤى، كما هي الحال الآن... في عصر الهيمنة التكنولوجية لـ«وادي السيليكون».

«رؤى» مليارديرات التكنولوجيا

ويتصدر طليعة هذا الحراك عمالقة التكنولوجيا، أمثال سام ألتمان وجيف بيزوس وإيلون ماسك، الذين تتجاوز طموحاتهم مجرد جمع الثروات... إذ يسعون لإعادة رسم مسار الإنسانية، واعدين بالخلاص عبر جهود الابتكار والتكنولوجيا، ومقدمين أنفسهم على أنهم «مهندسو مستقبل أنصع إشراقاً وأعلى سمواً».

وتدور الخطط الطموحة لهؤلاء الأشخاص حول مواءمة الذكاء الاصطناعي مع مصالح البشرية، وابتكار أنظمة فائقة الذكاء قادرة على حل أعقد المشكلات، بل ودمج وعي الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، في مسعى نحو تحقيق حلم الخلود، وفقاً للكاتب بريان ستوفر في مجلة «تكنولوجي ريفيو».

أما خارج كوكب الأرض، فإنهم يحلمون بإنشاء مستعمرة ذاتية الاكتفاء على كوكب آخر، ونشر البشر في مختلف أرجاء الكون. ولا تُطرح هذه الأهداف بوصفها محطات تكنولوجية فقط، بل أيضاً بوصفها خطوات ضرورية لضمان بقاء الإنسانية وازدهارها.

مرتكزات فلسفية

وأصبح القول الشهير للمفكر ألان كاي إن «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل ابتكاره»، مبدأً توجيهياً لهؤلاء الرواد، يدفع بهم لاستخدام التكنولوجيا أداة لإعادة تشكيل الواقع.

وقد طرح آدم بيكر، أحد العلماء والكتّاب المختصين بمجال الفيزياء الفلكية، دراسة نقدية بعنوان: «مزيد من كل شيء إلى الأبد: أسياد الذكاء الاصطناعي... إمبراطوريات الفضاء... وحملة (وادي السيليكون) للسيطرة على مصير البشرية». وفي إطار الدراسة، أوضح أن هذه الحركة ترتكز إلى 3 معتقدات أساسية: الإيمان بأن التكنولوجيا قادرة على حل جميع المشكلات، والالتزام الراسخ بفكرة النمو المتواصل، والسعي الحثيث لتجاوز حدود الطبيعة البشرية.

* الإيمان المطلق بالتكنولوجيا: يأتي في قلب هذه الآيديولوجيا اعتقاد راسخ بقدرة التكنولوجيا على إحداث تحولات. ومن وجهة نظر ألتمان وبيزوس وماسك ومعاصريهم، فإن التكنولوجيا ليست مجرد وسيلة، بل هي دواء شامل يعالج حتى أعقد وأخطر التحديات التي تواجه البشرية.

من ناحيته، يرى بيكر أن هذا الإيمان يؤدي في كثير من الأحيان إلى تبسيط مفرط للمشكلات العالمية، وتحويلها إلى ألغاز تكنولوجية، بدلاً من النظر إليها بوصفها مشكلات متعددة الأبعاد تتطلب حلولاً متنوعة.

* الهوس بالنمو: تتمثل ركيزة أخرى لهذه الفلسفة في الالتزام بالنمو الدائم. وتتوافق هذه الفكرة على نحو وثيق مع مبادئ الرأسمالية، حيث يجري النظر إلى التوسع والتراكم بوصفهما ضرورة أخلاقية. وفي إطار «وادي السيليكون»، يجري تصوير النمو بوصفه مهمة أخلاقية تُبرر التوسع المستمر وزيادة النفوذ. إلا إن هذه النظرة، وفق التحليل، قد تقود إلى تدمير البيئة، والتهرب من اللوائح التنفيذية، وإهمال القضايا المعاصرة الملحّة.

* التجاوز والهروب (Transcendence and Escape): ربما يكون الجانب الأكبر إثارة في هذه الآيديولوجيا هو هوسها بالتجاوز، أي الرغبة في التحرر من قيود الجسد، والمكان، وحتى الموت. يتخيل هؤلاء الأثرياء، المعنيون بمجال التكنولوجيا، مستقبلاً لا تخضع فيه البشرية للحدود المادية، حيث يُعد الاندماج مع الذكاء الاصطناعي أو استعمار كواكب أخرى هروباً نهائياً من هشاشة الأرض. ويقارن بيكر هذا الجانب من فلسفتهم بالعقائد الدينية المرتبطة بيوم القيامة، حيث يُوعَد بالخلاص من يتبع المسار المرسوم.

مخاطر كامنة

* عواقب الخلاص التكنولوجي: رغم أن هذه الرؤى قد تبدو مُلهمة، فإن بيكر يحذر من المخاطر الكامنة في فكرة الخلاص عبر التكنولوجيا. ويرى أن هذه الآيديولوجيا تُستخدم لتبرير ممارسات كان من الممكن أن تُقابَل بانتقادات شديدة، مثل الإضرار بالبيئة، والتحايل على القوانين، وازدياد تركّز الثروة والنفوذ. ومن خلال التركيز على مستقبَلات متخيلة، يتمكن رواد التكنولوجيا من صرف الأنظار عن الأزمات الآنية، وصياغة سردية تُصوّر مساعيهم على أنها نبيلة وضرورية.

* تبسيط حلول القضايا المعقدة: من أبرز الانتقادات الموجهة لهذه الآيديولوجية ميلها إلى التبسيط المفرط. وغالباً ما يختزل أصحاب هذه الرؤى مشكلات كبرى، مثل «التغييرات» المناخية، والفجوة الطبقية، واضطراب الأوضاع السياسية، في إطار مسائل الابتكار التكنولوجي، متجاهلين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذه الأزمات... الأمر الذي قد يؤدي إلى حلول مبهرة من الناحية التكنولوجية، لكنها غير ناجعة في معالجة الجذور الحقيقية للمشكلات.

ثمن بيئي باهظ وتمركز للسلطة

* الأثر البيئي: إن الإيمان بالنمو المستمر والسعي إلى تجاوز الطبيعة لا يأتيان من دون ثمن بيئي باهظ؛ سواء من خلال استخراج الموارد الطبيعية لتطوير التكنولوجيا، وتجاهل العواقب البيئية، وطموحات «وادي السيليكون» غالباً ما تتعارض مع متطلبات الاستدامة. ويحذر بيكر بأن هذه الممارسات قد تزيد من تفاقم الأزمات البيئية التي يدّعي هؤلاء أنهم يعملون على حلها.

* تمركز السلطة: تكمن مسألة أخرى مثيرة للقلق في ازدياد تركّز السلطة في أيدي قلة من أثرياء التكنولوجيا، إذ إن تقديم أنفسهم على أنهم منقذون للبشرية يمنحهم نفوذاً على صعيد السياسات العامة والاقتصاد، وحتى السرديات الثقافية. ويرى بيكر أن هذا التمركز يمكن أن يؤدي إلى مزيد من غياب المساواة وانعدام المساءلة، في عالم تُحدّد فيه قلة قليلة مصير الأغلبية.

التحرر من الوهم

رغم أن أحلام «وادي السيليكون» قد تأسر الخيال، فإن بيكر يدعو إلى نظرة أكبر واقعية، ويحث البشرية على إدراك أن هذه الرؤى ما هي في حقيقتها إلا ذريعة مناسبة لإعطاء الأولوية لأحلام المستقبل على الحقائق الحاضرة. ومن خلال تفكيك سردية الخلاص التكنولوجي، يمكن للمجتمع التركيز على مواجهة التحديات المباشرة وتعزيز مسار أفضل إنصافاً واستدامة.

* إعادة ترتيب الأولويات: للخروج من وهم الخلاص المستقبلي، يؤكد بيكر على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات، فبدلاً من السعي وراء فردوس بعيد، ينبغي على البشرية أن تواجه الأزمات الحالية، مثل التدهور البيئي، وعدم العدالة الاجتماعية، والاضطراب السياسي. ويتطلب ذلك التزاماً بنهج شامل في حل المشكلات، واستعداداً لمساءلة الوضع القائم.

* مزيد من المساءلة: كما يدعو بيكر إلى تعزيز مساءلة أصحاب القرار في عالم التكنولوجيا. ورغم أن الابتكار له قيمته، فإنه ينبغي ألا يكون على حساب الأخلاقيات، والشفافية، والشمول. ومن خلال محاسبة هؤلاء على أفعالهم وتأثيراتهم، يمكن ضمان أن يكون التقدم في خدمة الجميع؛ لا نخبة محدودة.

* الابتكار في إطار أخلاقي: تشكل آيديولوجيا الخلاص التكنولوجي، كما تجسدها أسماء مثل ألتمان وبيزوس وماسك، وعوداً مثيرة، لكنها تنطوي كذلك على مخاطر كبيرة. وفي الوقت الذي تلهم فيه أحلامُهم بشأن الذكاء الاصطناعي والخلود والاستيطان الكوني البعضَ، فإنها تثير تساؤلات عميقة عن السلطة والمساءلة وأولوية المستقبل على حساب الحاضر.

ويقدّم تحليل بيكر تذكيراً بأن علينا أن نُقبل على الابتكار بحذر، من دون أن نغفل المبادئ الأخلاقية وقيم الاستدامة.

OSZAR »