في مختلف مناطق المملكة، تبرز القهوة السعودية بوصفها قاسماً مشتركاً يجمع المجالس الرمضانية، وذلك على الرغم من وجود المشروبات التقليدية الأخرى مثل التمر الهندي، والسوبيا، وقمر الدين. ويُرجع خبير القهوة عبد الله المهنا هذه المكانة الخاصة للقهوة إلى عوامل عدة، من أبرزها التراث الثقافي العريق الذي يربطها بهوية المجتمع السعودي، بالإضافة إلى دورها الأساسي في الطقوس الرمضانية.
ويضيف المهنا أن القهوة السعودية تتميز بتعدد أنواعها ونكهاتها، ما يجعلها تناسب مختلف الأذواق، كما أنها تعزز التواصل الاجتماعي؛ حيث تُقدَّم للضيوف خلال التجمعات العائلية والسهرات الرمضانية. إلى جانب ذلك، يفضِّل الكثيرون تناولها بعد الإفطار كجزء من الروتين الرمضاني.
مواسم البيع وتأثير رمضان على الطلب
تعد فترة ما قبل رمضان من أبرز مواسم التسوق للقهوة، حيث يبدأ الناس في شراء البن والتوابل بكميات كبيرة تحضيراً للشهر الفضيل. وهنا يؤكد المهنا أن الطلب على القهوة يرتفع بشكل ملحوظ خلال أيام رمضان وعيد الأضحى، ما يجعلها من المنتجات الأكثر مبيعاً في تلك المواسم. وبسبب حجم ومساحة المملكة تتنوع طرق تحضير القهوة السعودية بحسب كل منطقة، حيث تختلف المكونات المستخدمة، وطرق التحميص والطحن، وأسلوب التقديم، والتقاليد الاجتماعية المرتبطة بها. فمثلاً في بعض المناطق، يُضاف الهيل والزعفران لمنح القهوة نكهة غنية، بينما في مناطق أخرى تُستخدم توابل أقل.
ووفقاً للمهنا، تختلف درجة تحميص البن؛ إذ تفضل بعض المناطق القهوة فاتحة اللون، بينما تميل مناطق أخرى إلى القهوة الداكنة، بينما تختلف عادات التقديم، ففي بعض المناطق تُقدم القهوة مع التمر والحلويات، بينما في أماكن أخرى تكون مصحوبة بأطباق جانبية متنوعة.
خلطات رمضانية خاصة للقهوة
يُفضل كثير من السعوديين تحضير قهوة خاصة خلال شهر رمضان، ومن أبرز الخلطات الشائعة، قهوة الهيل: التي تُعد الأكثر شهرة، حيث يُضاف الهيل المطحون لمنحها نكهة زكية، وقهوة الزعفران: وتُضفي لمسة فاخرة بلونها الذهبي ورائحتها المميزة، والقهوة المخلوطة: المضاف إليها توابل مثل القرفة أو القرنفل، وأيضاً القهوة التقليدية مع التمر: ويتم تقديمها مع التمر فقط، وهي خيار شائع في التجمعات الرمضانية.
يؤكد المهنا أن اختلاف التوابل والإضافات في القهوة السعودية يعكس التنوع الثقافي في المملكة. فبينما تمنح إضافة الهيل طعماً عطرياً، تضفي القرفة لمسة حلوة ودافئة، بينما يعطي الزعفران طابعاً فريداً للقهوة. كما تؤثر نسبة التوابل في قوة النكهة، فبعض المناطق تُفضل النكهات القوية والمركزة، بينما تميل أخرى إلى نكهات خفيفة وأكثر توازناً.
القهوة السعودية رمز للكرم والضيافة في رمضان
تلعب القهوة السعودية دوراً مهماً في إبراز قيم الكرم والضيافة طوال أيام السنة؛ حيث تُعد وسيلة للترحيب بالضيوف. ومن التقاليد الشائعة تقديم القهوة أولاً قبل أي مشروب آخر، مع استمرار إعادة ملء الفناجين لكونها علامة على كرم المضيِّف. وفي رمضان يُفضَّل تقديم القهوة في أوقات عدة بعد وقت الإفطار، حيث يعدها البعض مشروباً مثالياً للاسترخاء بعد وجبة ثقيلة، وقبل السحور لمساعدة من لديهم أعمال على البقاء مستيقظين خلال الليل، كما أنها موجودة بعد صلاة التراويح حين يجتمع الأصدقاء في الجلسات الليلية، إضافة إلى حضورها خلال التجمعات الاجتماعية سواء في المنازل أو المجالس الرمضانية الخاصة.
التطور بين التقاليد والحداثة في تقديم القهوة
شهدت القهوة السعودية تطوراً ملحوظاً بين الماضي والحاضر، فبينما كانت تُحضَّر يدوياً باستخدام أدوات تقليدية، أصبح البعض يعتمد على آلات حديثة لتحضيرها بسرعة. كما تطور أسلوب تقديمها، حيث ظهرت فناجين وأوانٍ بأشكال وألوان عصرية، بينما ظلت بعض العائلات متمسكة بالتقاليد الأصيلة. ويشير المهنا إلى أن القهوة السعودية ليست مجرد مشروب، بل تُعد رمزاً يعكس الهوية الثقافية للمجتمع السعودي فطقوس تحضيرها وتقديمها تعزز قيم الكرم، كما أنها تُحافظ على العادات المتوارثة بين الأجيال، وتظل عنصراً أساسياً في المجالس الرمضانية بمختلف مناطق المملكة، وتعكس التقاليد العريقة الدافئة.