عاد مسار العائلة المقدسة في مصر مجدداً إلى دائرة الضوء، بعدما شهد البرلمان المصري تحركاً لحماية وتطوير أحد مزارات المسار، الذي يُعد من أبرز المعالم الروحية والتاريخية في البلاد، ويُصنف ضمن المشروعات القومية التي من شأنها لعب دور مهم في الجذب السياحي، خصوصاً بعد إدراج المسار ضمن قائمة «اليونيسكو» للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

وتقدَّم عضو مجلس النواب ونائب رئيس «الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي»، فريدي البياضي، الاثنين، بطلب إحاطة عاجلاً وجهه لكل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير التنمية المحلية، ووزير السياحة والآثار، بشأن ما تردَّد من معلومات وتقارير عن أعمال هدم وتجريف وقطع أشجار في الأراضي المحيطة بكنيسة السيدة العذراء مريم في حي المعادي بالقاهرة، والتي تُعد إحدى أبرز محطات مسار العائلة المقدسة.

وكانت وزارة السياحة والآثار المصرية قد أعلنت سابقاً أن مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة في مصر يتضمن 25 نقطة في 8 محافظات بمسافة تصل إلى 3500 كيلومتر، بكل ما تحويه من آثار في صورة كنائس أو أديرة أو أيقونات قبطية دالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع؛ وفق ما أقرّته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر.

ومن أبرز محطات مسار العائلة المقدسة في مصر، شجرة مريم، وكنيسة أبي سرجة، وكنيسة زويلة في القاهرة، وكنيسة السيدة العذراء مريم في المعادي، ودير العذراء في جبل الطير بالمنيا، ودير المُحرّق، ومغارة درنكة بأسيوط، ودير وادي النطرون في الصحراء الغربية، ومنطقة الفرما بشمال سيناء.

وقال النائب إنه «رغم توقيع بروتوكول لتطوير هذا الموقع الحيوي وتنظيمه سياحياً، فقد ترددت معلومات موثقة حول وجود أعمال غير مُعلنة تشمل تجريفاً وقطعاً للأشجار بالأرض المجاورة للكنيسة، من دون تنسيق ظاهر مع الكنيسة أو وزارة السياحة أو الجهات المعنية في المشروع القومي، مما يثير مخاوف حول احترام الاتفاقات الرسمية وحرمة الأماكن الدينية».

وأضاف أن «كنيسة العذراء في المعادي تُمثّل إحدى أهم محطات هذا المسار، وتُعد نقطة الربط الجغرافي والروحي بين شمال وجنوب الرحلة»، مؤكداً أن الحفاظ على هذا الموقع لا يندرج فقط في إطار حماية التراث أو السياحة، بل هو مسؤولية دستورية وقانونية وأخلاقية، وإحدى فرص مصر الكبرى لتعزيز مكانتها بوصف أنها أرض للتسامح والتاريخ المقدس.

وأشار البياضي في تعليقه على الطلب أن «مسار العائلة المقدسة ليس مشروعاً محلياً محدود الأهمية، بل رسالة حضارية وروحية عالمية، تتطلب أعلى درجات الالتزام والشفافية»، محذراً من أي تجاوزات أو إهمال في إدارة هذه المواقع.

من جانبه، عبّر رئيس جمعية المحافظة على التراث المصري، المهندس ماجد الراهب، عن رفضه الشديد لأي أعمال إنشائية أو تجريف في محيط كنيسة السيدة العذراء، مؤكداً أن «هذه المنطقة تُعد حرماً دينياً لا يجوز المساس به».

وقال الراهب لـ«الشرق الأوسط»: «تحتل كنيسة المعادي موقعاً محورياً ضمن المسار المُعترف به دولياً، إذ كانت نقطة عبور للعائلة المقدسة ذهاباً وإياباً خلال رحلتها في مصر»، محذراً من أن «أي إنشاءات حديثة في جوارها من شأنها تشويه المشهدين البصري والتاريخي للمنطقة»، حسب قوله.

وأضاف أن «الكنيسة تقع ضمن مشروع مسار العائلة المقدسة المُعترف به من قبل منظمة «اليونيسكو» بوصف أنه تراث إنساني عالمي، مما يجعل أي انتهاك لهذا الموقع بمثابة تحدٍ سافر للمنظمة، وإضرار بالصورة الحضارية لمصر وتاريخها»، مؤكداً أن «عمليات التجريف وقطع الأشجار تمت دون توضيح الجهة المسؤولة».

كانت مصر قد نجحت في تسجيل ملف الاحتفالات المتعلقة برحلة العائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة «اليونيسكو» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022.

وأشار الراهب إلى أن «السياحة الدينية تُعد من أعلى أنواع السياحة ربحية في العالم، وخلال العام الماضي جذبت أكثر من مليون سائح ضمن هذا المسار وفق وزارة السياحة، وهو رقم يمكن مضاعفته إذا ما استُثمر الموقع بالشكل الأمثل»، محذراً من أن «التهاون في حماية هذا التراث لا يمسُّ فقط الذاكرة الدينية، بل يُهدر فرصة استراتيجية لوضع مصر على خريطة السياحة الدينية العالمية».

من ناحية أخرى، تدرس مصر خططاً متنوعة لجذب السائحين إلى المزارات التاريخية، إذ أكد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، أن وزارته تعمل على تطوير وتنمية المنتجات السياحية المختلفة الموجودة لديها، لافتاً خلال اجتماعٍ، الأحد، مع الهيئة العامة للتنشيط السياحي، إلى أهمية إبراز ما يتمتع به المقصد السياحي المصري من أنماط ومنتجات سياحية متنوعة.