لا تزال دمشق في موقع المتفرج الحذر أمام الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تتابع وسائل الإعلام الرسمية وقائع الضربات المتبادلة كخبر أول وتفرد القناة التلفزيونية الإخبارية مساحات واسعة من البث لمتابعة وتحليل مجريات الأحداث، وذلك فيما تلقت دمشق نصائح تركيا بالبقاء خارج دائرة الاصطدام.
ورغم صدور إدانات عربية وإقليمية للهجمات الإسرائيلية، لم يصدر موقف أو بيان رسمي سوري في هذا الشأن. وكان لافتاً أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي اعتبر إدارة نتنياهو تجر المنطقة والعالم إلى كارثة، واصفاً أفعال إسرائيل بـ«المتهورة والعدوانية وغير القانونية» وأنها استفزاز واضح وتجاهل للقانون الدولي، نصح الرئيس السوري أحمد الشرع «بإبقاء سوريا خارج نطاق المواجهة، وتجنب جرّها إلى دائرة الصراع الإقليمي»، وذلك في مكالمة هاتفية، يوم السبت، بحث خلالها التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران، وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفق ما أعلنته الرئاسة التركية.
وتشير المعطيات على الأرض إلى أن دمشق ليست في وارد الانخراط بأي نزاع، فهي على مسافة عداء واحدة مع الطرفين، حسب مصادر قريبة من الحكومة بدمشق، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع السوري الهش وأولويات إعادة تشكيل وبناء الدولة لا يحتمل تصدير مواقف غير محسوبة بدقة بين خصمين، كلاهما ساهم بتدمير سوريا».
ولفتت إلى أن دمشق «حذرة جداً» حيال التصعيد في المنطقة، وتسعى لتجنب ارتداداته، فهي منذ تسلمها السلطة وضعت ملف معالجة التعامل مع إسرائيل على الطاولة العربية والإقليمية، كما دعت إلى التفاوض وتطبيق اتفاق فض الاشتباك 1974، دون استبعاد التوصل إلى اتفاق سلام لاحقاً. وحافظت على هذا الموقف رغم الاستفزازات الإسرائيلية والتوغل في الأراضي السورية، ومواصلة توجيه ضربات إلى المواقع العسكرية.
أما إيران، فهي لا تزال خصماً رغم انسحابها من سوريا، ولا تزال تحاول التدخل وتهديد أمن واستقرار سوريا. إلا أن ذلك لا يلغي قلق دمشق من الضربات الإسرائيلية الواسعة ضد المواقع العسكرية والمفاعلات النووية، وما قد يترتب عليها من تداعيات وتأثيرات تهدد استقرار المنطقة عموماً، مع تنامي انفلات عقال الغطرسة الإسرائيلية. واستبعدت المصادر أن يصدر عن دمشق موقف ضد أي طرف، «إلا في حال تم المساس بسوريا بشكل مباشر».
على الصعيد الشعبي، عدا الشعور بالقلق من احتمالات تأثير ضرب المفاعلات النووية على المنطقة، هناك شعور بالارتياح لدى السوريين بأن المواجهة بين إسرائيل وإيران تحصل خارج الأراضي السورية، مع أن «صواريخ وطائرات الطرفين تعبر السماء السورية وتهدد أمن وحياة الأهالي».
وقالت مصادر مواكبة إن إيران كانت تستخدم الأراضي السورية واللبنانية جبهة بعيدة عن أراضيها في الصراع مع إسرائيل، وكانت سوريا ولبنان تتكبدان الخسائر المباشرة، لكن الآن تم تحييد ساحة سوريا، ودمشق عينها على تحقيق الاستقرار ولا ترغب بفتحها مجدداً.
وتشهد السماء السورية عبوراً للطيران الإسرائيلي وللصواريخ الإيرانية، ويتابع السوريون في الأماكن المفتوحة حركة المسيرات وصليات الصواريخ العابرة لأجوائهم، ومنهم من وثق ذلك بمقاطع فيديو يجري تبادلها في وسائل التواصل. وسقطت صباح الأحد طائرة مسـيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل إسرائيل فوق قرية الطليعي بريف صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس على الساحل السوري، وحسب مصادر محلية، ما أدى لاحتراق منزل وإصابة امرأة بحروق خطـيرة.
ويوم الجمعة، سقطت بقايا مخلفات صواريخ في ريف درعا خلال عبورها الأجواء السورية إثر قصف متبادل بين إسرائيل وإيران، ورجح سكان أن تكون البقايا خزان وقود فارغاً لطائرة حربية. كما سقطت بقايا مخلفات صواريخ إيرانية فوق مدينة إنخل وقرب مدينة الصنمين شمال درعا.