البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

المعارضة انتقدت «غياب نقاش» حقيقي حولها

جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)
جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)
TT

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)
جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)

صادق «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) في الجزائر، أمس الاثنين، على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً لدى قطاع من الطيف السياسي، لا سيما الأحزاب غير الممثلة في البرلمان.

كان محور النقاش الرئيس خلال الجلسة مشروع قانون يتعلق بـ«التعبئة العامة»، أعدته الحكومة بهدف الاستجابة لمواجهة التهديدات الكبرى، مثل الكوارث الطبيعية، والأزمات الأمنية، والنزاعات.

رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)

ويسعى هذا القانون إلى تنظيم وتعبئة جميع الموارد الوطنية والبشرية والمادية في الحالات الاستثنائية. وقد قدم وزير العدل، لطفي بوجمعة، عرضاً حول النص في البرلمان، مؤكداً بعد التصويت عليه أن القانون يُعد «أداة استباقية لتعزيز أسس الدفاع الوطني، وتقوية الرابط بين الأمة وجيشها». كما دعا النواب إلى «توعية المواطنين لمواجهة محاولات التضليل الإعلامي».

ووفقاً للمشروع، يُمنح رئيس الجمهورية صلاحية إعلان التعبئة العامة بعد استشارة رئيسي غرفتي البرلمان والمجلس الأعلى للأمن. ويتحدث المشروع عن تعزيز القدرات الدفاعية للدولة لمواجهة أي تهديدات محتملة تهدد استقرار البلاد، وسلامتها الترابية. كما يشمل آليات تجنيد الاحتياط، وتسخير الموارد الاقتصادية، وضمان جاهزية المؤسسات الوطنية للتعامل مع السيناريوهات القصوى التي تهدد الأمن القومي.

وزير العدل أثناء عرض مشروع قانون التعبئة العامة على اللجنة القانونية البرلمانية (الوزارة)

ويأتي هذا النص في سياق إقليمي حساس، حيث تصاعدت التوترات مع بعض الدول المجاورة، مثل مالي، والنيجر، زيادة على الخلافات الحادة المستمرة مع المغرب منذ أكثر من 30 سنة.

غير أن القراءة الحكومية للقانون ومقتضياته بعيدة عن أن تكون محل إجماع. فرغم أن البرلمانيين صادقوا على النص، فإن عدداً من الناشطين من المجتمع المدني، والأوساط الجامعية، والأحزاب السياسية غير الممثلة في البرلمان عبروا عن قلقهم. وانصبت هذه المخاوف خصوصاً على تعريف حالات التعبئة، والإمكانية المحتملة للمساس بالحريات الفردية. ويرى منتقدو القانون أنه كان يستحق نقاشاً أوسع، وضمانات أوضح بشأن تطبيقه. كما رأت فيه المعارضة «أداة لتعزيز السلطة التنفيذية في ظرف إقليمي متوتر».

قانون التعبئة العامة يوجب وضع كافة الأجهزة والهيئة تحت سلطة الجيش (وزارة الدفاع)

كما صادق البرلمان أيضاً على ثلاثة قوانين أخرى تتعلق بتسوية ميزانية سنة 2022، وإصلاح نظام التقاعد، بالإضافة إلى قانون تنظيم الأنشطة المنجمية واستغلال المعادن الذي أثار بدوره موجة من الانتقادات الحادة، خاصة من قبل أحزاب منها «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، و«حزب العمال»، و«جيل جديد»، وخاصة «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض في البلاد، حيث طالب بسحبه، بحجة أنه «يحمل تهديدات صريحة تمسّ بسيادة الدولة والشعب على الثروات الوطنية».

وشدد نفس الحزب، الذي أطلقه رجل الثورة الراحل حسين آيت أحمد، على أن الحكومة «لم تعط الوقت الكافي لصياغة قانونه بما يضمن المصلحة الوطنية، دون استعجال أو ضغوط، مع توسيع دائرة التشاور لتشمل كافة الفاعلين والخبراء والمختصين في هذا المجال». ولفت إلى أن «هذا التسرّع وإقصاء الفاعلين من المشروع يُعدّ إصراراً على النهج الأحادي في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد».

وتناولت الانتقادات الموجهة للنص إلغاءه قاعدة قانونية في الاستثمار تلزم الشريك الجزائري بامتلاك 51 في المائة على الأقل من رأسمال أي مشروع، في حين لا يُسمح للمستثمر الأجنبي بامتلاك أكثر من 49 في المائة.

سفيان جيلالي رئيس حزب «جيل جديد» (الشرق الأوسط)

وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، ندد رئيس حزب «جيل جديد»، سفيان جيلالي، بشدة بالمادة 102 من هذا القانون المتعلقة بمشاركة الجزائر في الشراكات مع المتعاملين الأجانب. واعتبر أن هذه المادة، رغم تعديلها، تمثل «تراجعاً مقلقاً في مجال السيادة الاقتصادية»، وهو ما يعد، حسبه، مخالفاً لروح الدستور.

وتندرج هذه المواقف ضمن ديناميكية أوسع من الانتقادات الموجهة للخيارات الاقتصادية للحكومة التي يعتبرها البعض «انحرافاً» نحو منطق الانفتاح على رأس المال الأجنبي، على حساب تعزيز الرقابة العمومية على الموارد الوطنية.

من جهتها، ترى الحكومة أن قطاع المناجم يعاني من تحديات كبرى تحول دون الاستغلال الأمثل لإمكاناته. ومن أبرز العراقيل التي أشار إليها معدّو المشروع «القاعدة 49/51» المتعلقة بالاستثمار الأجنبي في الجزائر. وهو ما يُفهم منه أن الحكومة تسعى إلى تهيئة بيئة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، من خلال التخلي عن شرط إلزامية وجود شريك محلي يمتلك 51 في المائة من رأسمال المشروع.

وخلال نفس الجلسة البرلمانية، تم إقرار تعديل طال انتظاره في قطاع التعليم يتعلق بتوسيع إمكانية الاستفادة من التقاعد المبكر لفائدة الأساتذة وأطر التعليم. وجاء هذا التعديل ضمن استكمال القانون 83-12 المتعلق بالتقاعد.

وينص التشريع الجديد على منح الأساتذة في الأطوار التعليمية الثلاثة –الابتدائي، والمتوسط، والثانوي- إلى جانب مديري المؤسسات التعليمية والمفتشين إمكانية التقاعد المسبق بشكل طوعي عند سن 57 سنة للرجال، و52 سنة للنساء، أي قبل ثلاث سنوات من السن القانونية المعمول بها حالياً (60 سنة للرجال و55 سنة للنساء).

ورغم الترحيب العام من طرف «الأسرة التربوية» ونقابات القطاع، فإن بعض الأصوات أعربت عن مخاوفها من التعقيدات البيروقراطية التي قد ترافق تطبيق هذا التعديل، وهو ما قد يُفرغ الإصلاح من مضمونه، حسبهم. كما عبّر بعض المراقبين عن تساؤلات بشأن الأثر المالي لهذا الإجراء على «الصندوق الوطني للتقاعد»، خاصة في ظل الضغوط التي يعرفها منذ سنوات.


مقالات ذات صلة

تحقيق جديد يفتح ملف «مسؤولية» فرنسا عن تجاربها النووية في الجزائر

شمال افريقيا صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

تحقيق جديد يفتح ملف «مسؤولية» فرنسا عن تجاربها النووية في الجزائر

يُصر الجزائريون على مطلب التعويض المادي عن التفجيرات النووية الفرنسية في صحرائهم، وعلى مسؤولية باريس في تنظيف المواقع الملوثة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)

الجزائر تتعهد الخروج من «اللائحة الرمادية» لغسل الأموال

تعهدت الحكومة الجزائرية بالخروج من «اللائحة الرمادية» لـ«مجموعة العمل المالي»، التي تصنف البلدان «الأقل انخراطاً» في جهود مكافحة غسل الأموال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عالمية الحارس الدولي الجزائري ألكسندر أوكيدجا (وسائل إعلام جزائرية)

الجزائري أوكيدجا يغادر ميتز بعد 7 مواسم

أعلن ميتز الصاعد حديثاً لدوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم، الجمعة، رحيل الحارس الدولي الجزائري، ألكسندر أوكيدجا، عن النادي بعد 7 مواسم قضاها مع الفريق.

«الشرق الأوسط» (ميتز)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة متداولة للمتهم الرئيس كمال شيخي

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مصر: تسريب بامتحانات «الثانوية» يثير الجدل حول إجراءات مواجهة «الغش»

طالبات عقب أداء امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة (غرفة عمليات إدارة الشرابية التعليمية على «فيسبوك»)
طالبات عقب أداء امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة (غرفة عمليات إدارة الشرابية التعليمية على «فيسبوك»)
TT

مصر: تسريب بامتحانات «الثانوية» يثير الجدل حول إجراءات مواجهة «الغش»

طالبات عقب أداء امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة (غرفة عمليات إدارة الشرابية التعليمية على «فيسبوك»)
طالبات عقب أداء امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة (غرفة عمليات إدارة الشرابية التعليمية على «فيسبوك»)

أثار تسريب جديد في امتحانات الثانوية العامة بمصر، الأحد، الجدل حول إجراءات وزارة التربية والتعليم لمواجهة «الغش». ورغم تداول «غروبات الغش» أسئلة امتحان «اللغة العربية»؛ فإن «التعليم» تحدثت عن «انضباط والتزام من الطلاب داخل اللجان».

وتستمر امتحانات «الثانوية» الممهدة للتعليم الجامعي حتى 10 يوليو (تموز) المقبل. وقالت «التربية والتعليم» الأحد إنها «حريصة على ضمان سير العملية الامتحانية بشكل منتظم وآمن»، مشيرة إلى أن «أكثر من 785 ألف طالب وطالبة أدوا امتحان اللغة العربية أمام 1973 لجنة».

وتداولت «غروبات الغش» صوراً قالت إنها لـ«بعض أجزاء من امتحان اللغة العربية بعد 20 دقيقة من بدء أعمال اللجان الامتحانية»، ونقلت مواقع إعلام محلية عن «فريق مكافحة الغش الإلكتروني» بوزارة التربية والتعليم أنه تم «ضبط طلاب متورطين في تسريب الأسئلة»، لكن لم يصدر أي بيان رسمي من «التعليم» حول واقعة التسريب أو ضبط الطلاب، واكتفت الوزارة بالتأكيد على «انضباط اللجان».

«الشرق الأوسط» حاولت التواصل مع وزارة التربية والتعليم لتوضيح حقيقة «ضبط متورطين في واقعة تسريب مادة اللغة العربية»، لكن لم يتسنَّ لها ذلك، إلا أن مدير مديرية التربية والتعليم في محافظة المنوفية (دلتا مصر)، محمد صلاح، أكد أن «الأوضاع سارت الأحد بشكل جيد داخل اللجان، ولم يتم تحرير أي حالة غش في نطاق محافظته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «غرفة العمليات المركزية في وزارة التعليم تقوم بمراقبة اللجان على مستوى ربوع البلاد عبر كاميرات، وهي المسؤولة عن ضبط عمليات الغش».

وزير التربية والتعليم المصري محمد عبد اللطيف يتابع سير امتحان اللغة العربية من غرفة العمليات المركزية بالوزارة (وزارة التربية والتعليم)

في حين اعتبر الخبير في ملف التعليم بمصر، كمال مغيث، أن الوزارة «تنتهج هذا العام نهجاً من الإنكار لعمليات الغش وتسريب الامتحانات، رغم حدوثها، وهو ما يعني أننا في وضع صعب أكثر من العام الماضي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه في العام الماضي كانت الوزارة تعلن عن ضبط طلاب أو مراقبين متورطين، وعن المحافظات التي يوجدون فيها، لكن حالياً «الغش لا يزال مستمراً، عبر تداول الامتحانات على (غروبات الغش)، وهو مؤشر على عدم قدرة (التعليم) على الحد من ظاهرة الغش خلال الامتحانات».

وتتخذ وزارة التربية والتعليم المصرية إجراءات مشددة خلال امتحانات «الثانوية»، وأعلنت عن تطبيق عقوبات لمواجهة «غروبات الغش» التي تنشط كل عام. وتكثف «التعليم» من إجراءات تفتيش الطلاب والطالبات لمنع اصطحاب أجهزة الهاتف الجوال أو أي أجهزة إلكترونية داخل اللجان الامتحانية.

وبحسب مغيث، فإن «وزارة التعليم لن تستطيع مواجهة ظاهرة الغش باعتبارها عملية منفصلة عن سياق ملف التعليم ككل، والذي يحتاج إلى إصلاحات هيكلية سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي».

وأعدت «التعليم» غرفة عمليات مركزية لمتابعة سير الامتحانات، تتضمن خطاً ساخناً لاستقبال الشكاوى والاستفسارات، والإبلاغ عن حالات الغش والمخالفات. وتؤكد: «التعامل بحزم من خلال الإجراءات القانونية مع المخالفات كافة، خصوصاً محاولات (الغش) سواء التقليدي أو الإلكتروني».

طالبات داخل لجنة امتحانية في وقت سابق بمصر (وزارة التربية والتعليم)

عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، جيهان البيومي، ترى أن «ملف الغش مُعقد؛ لأنه ليس فقط ملفاً أمنياً، بل ملف ثقافي وتعليمي واجتماعي، وهو مرتبط بضغط الأسر على الطلاب من أجل الحصول على مجموع كبير يؤهلهم للجامعة».

وأضافت البيومي لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم من إجراءات الوزارة هذا العام لمواجهة «الغش»، ومنها «تركيب كاميرات داخل اللجان، ومنع دخول الهواتف الجوالة، وتعقب صفحات الغش»، فإن تكرار تداول الامتحانات يطرح تساؤلاً حول منظومة التأمين الإلكتروني، وفاعلية الإجراءات المتبعة من «التعليم» لمواجهة «الغش».

وخلال السنوات الماضية تمكنت عدة «غروبات للغش» عبر تطبيقات عدة، من بينها «تلغرام»، من تسريب أوراق الامتحانات قبل بدء اللجان الامتحانية في بعض المواد، لكن غالبية الطلاب المتورطين جرى ضبطهم وحرمانهم من أداء الامتحانات.

رئيس «امتحانات الثانوية العامة»، خالد عبد الحكيم، أكد في تصريحات الأحد «ضرورة متابعة مسؤولي التطوير التكنولوجي على مستوى الإدارات التعليمية بالمحافظات لمنظومة كاميرات المراقبة داخل اللجان أثناء فترة انعقاد الامتحانات، وسرعة الإبلاغ عن أي مشكلة قد تطرأ على الكاميرات، لضمان توثيق جميع الأحداث داخل اللجان، والحفاظ على انتظام وانضباط سير العملية الامتحانية».

OSZAR »