صادق «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) في الجزائر، أمس الاثنين، على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً لدى قطاع من الطيف السياسي، لا سيما الأحزاب غير الممثلة في البرلمان.
كان محور النقاش الرئيس خلال الجلسة مشروع قانون يتعلق بـ«التعبئة العامة»، أعدته الحكومة بهدف الاستجابة لمواجهة التهديدات الكبرى، مثل الكوارث الطبيعية، والأزمات الأمنية، والنزاعات.
ويسعى هذا القانون إلى تنظيم وتعبئة جميع الموارد الوطنية والبشرية والمادية في الحالات الاستثنائية. وقد قدم وزير العدل، لطفي بوجمعة، عرضاً حول النص في البرلمان، مؤكداً بعد التصويت عليه أن القانون يُعد «أداة استباقية لتعزيز أسس الدفاع الوطني، وتقوية الرابط بين الأمة وجيشها». كما دعا النواب إلى «توعية المواطنين لمواجهة محاولات التضليل الإعلامي».
ووفقاً للمشروع، يُمنح رئيس الجمهورية صلاحية إعلان التعبئة العامة بعد استشارة رئيسي غرفتي البرلمان والمجلس الأعلى للأمن. ويتحدث المشروع عن تعزيز القدرات الدفاعية للدولة لمواجهة أي تهديدات محتملة تهدد استقرار البلاد، وسلامتها الترابية. كما يشمل آليات تجنيد الاحتياط، وتسخير الموارد الاقتصادية، وضمان جاهزية المؤسسات الوطنية للتعامل مع السيناريوهات القصوى التي تهدد الأمن القومي.
ويأتي هذا النص في سياق إقليمي حساس، حيث تصاعدت التوترات مع بعض الدول المجاورة، مثل مالي، والنيجر، زيادة على الخلافات الحادة المستمرة مع المغرب منذ أكثر من 30 سنة.
غير أن القراءة الحكومية للقانون ومقتضياته بعيدة عن أن تكون محل إجماع. فرغم أن البرلمانيين صادقوا على النص، فإن عدداً من الناشطين من المجتمع المدني، والأوساط الجامعية، والأحزاب السياسية غير الممثلة في البرلمان عبروا عن قلقهم. وانصبت هذه المخاوف خصوصاً على تعريف حالات التعبئة، والإمكانية المحتملة للمساس بالحريات الفردية. ويرى منتقدو القانون أنه كان يستحق نقاشاً أوسع، وضمانات أوضح بشأن تطبيقه. كما رأت فيه المعارضة «أداة لتعزيز السلطة التنفيذية في ظرف إقليمي متوتر».
كما صادق البرلمان أيضاً على ثلاثة قوانين أخرى تتعلق بتسوية ميزانية سنة 2022، وإصلاح نظام التقاعد، بالإضافة إلى قانون تنظيم الأنشطة المنجمية واستغلال المعادن الذي أثار بدوره موجة من الانتقادات الحادة، خاصة من قبل أحزاب منها «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، و«حزب العمال»، و«جيل جديد»، وخاصة «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض في البلاد، حيث طالب بسحبه، بحجة أنه «يحمل تهديدات صريحة تمسّ بسيادة الدولة والشعب على الثروات الوطنية».
وشدد نفس الحزب، الذي أطلقه رجل الثورة الراحل حسين آيت أحمد، على أن الحكومة «لم تعط الوقت الكافي لصياغة قانونه بما يضمن المصلحة الوطنية، دون استعجال أو ضغوط، مع توسيع دائرة التشاور لتشمل كافة الفاعلين والخبراء والمختصين في هذا المجال». ولفت إلى أن «هذا التسرّع وإقصاء الفاعلين من المشروع يُعدّ إصراراً على النهج الأحادي في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد».
وتناولت الانتقادات الموجهة للنص إلغاءه قاعدة قانونية في الاستثمار تلزم الشريك الجزائري بامتلاك 51 في المائة على الأقل من رأسمال أي مشروع، في حين لا يُسمح للمستثمر الأجنبي بامتلاك أكثر من 49 في المائة.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، ندد رئيس حزب «جيل جديد»، سفيان جيلالي، بشدة بالمادة 102 من هذا القانون المتعلقة بمشاركة الجزائر في الشراكات مع المتعاملين الأجانب. واعتبر أن هذه المادة، رغم تعديلها، تمثل «تراجعاً مقلقاً في مجال السيادة الاقتصادية»، وهو ما يعد، حسبه، مخالفاً لروح الدستور.
وتندرج هذه المواقف ضمن ديناميكية أوسع من الانتقادات الموجهة للخيارات الاقتصادية للحكومة التي يعتبرها البعض «انحرافاً» نحو منطق الانفتاح على رأس المال الأجنبي، على حساب تعزيز الرقابة العمومية على الموارد الوطنية.
من جهتها، ترى الحكومة أن قطاع المناجم يعاني من تحديات كبرى تحول دون الاستغلال الأمثل لإمكاناته. ومن أبرز العراقيل التي أشار إليها معدّو المشروع «القاعدة 49/51» المتعلقة بالاستثمار الأجنبي في الجزائر. وهو ما يُفهم منه أن الحكومة تسعى إلى تهيئة بيئة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، من خلال التخلي عن شرط إلزامية وجود شريك محلي يمتلك 51 في المائة من رأسمال المشروع.
وخلال نفس الجلسة البرلمانية، تم إقرار تعديل طال انتظاره في قطاع التعليم يتعلق بتوسيع إمكانية الاستفادة من التقاعد المبكر لفائدة الأساتذة وأطر التعليم. وجاء هذا التعديل ضمن استكمال القانون 83-12 المتعلق بالتقاعد.
وينص التشريع الجديد على منح الأساتذة في الأطوار التعليمية الثلاثة –الابتدائي، والمتوسط، والثانوي- إلى جانب مديري المؤسسات التعليمية والمفتشين إمكانية التقاعد المسبق بشكل طوعي عند سن 57 سنة للرجال، و52 سنة للنساء، أي قبل ثلاث سنوات من السن القانونية المعمول بها حالياً (60 سنة للرجال و55 سنة للنساء).
ورغم الترحيب العام من طرف «الأسرة التربوية» ونقابات القطاع، فإن بعض الأصوات أعربت عن مخاوفها من التعقيدات البيروقراطية التي قد ترافق تطبيق هذا التعديل، وهو ما قد يُفرغ الإصلاح من مضمونه، حسبهم. كما عبّر بعض المراقبين عن تساؤلات بشأن الأثر المالي لهذا الإجراء على «الصندوق الوطني للتقاعد»، خاصة في ظل الضغوط التي يعرفها منذ سنوات.