في الوقت الذي يُصر فيه الجزائريون على مطلب التعويض المادي عن التفجيرات النووية الفرنسية في صحرائهم، وعلى مسؤولية باريس في تنظيف المواقع الملوثة، دعا تقرير برلماني فرنسي حول الاختبارات النووية الفرنسية في بولينيزيا بالمحيط الهادئ عام 1996، إلى تقديم اعتذار إلى سكان المنطقة قياساً إلى الأضرار التي لحقت بهم.
وألقى التقرير الضوء على جدل قديم في الجزائر، يخص مدى استعداد فرنسا للاعتراف بمسؤوليتها عن الآثار، التي خلفتها 17 تجربة نووية أجرتها في الجزائر بين 1961 و1967، وعن مسؤوليتها أيضاً في تنظيف المواقع التي تمت فيها. وتعد هذه القضية من أهم الخلافات بين البلدين، في سياق ما يعرف بـ«نزاع الذاكرة» المرتبط بالماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر (1830-1962).
ويؤكد التقرير أن التجارب في بولينيزيا الفرنسية «كانت لها عواقب وخيمة على الصعيدين الصحي والبيئي»، ويقترح مجموعة من التوصيات بشأن رعاية الضحايا وتعويضهم، بالإضافة إلى الاعتراف بالأضرار البيئية والعمل على إصلاحها.
وشُكّلت اللجنة البرلمانية الخاصة بالتحقيق في مخلفات هذه التفجيرات عام 2024، وجاء ذلك بناءً على طلب سياسي من نواب بولينيزيين.
وعلقت صحيفة «الوطن» الجزائرية الناطقة بالفرنسية، الصادرة السبت، على التقرير بأنه «يحرز تقدماً في مجال الاعتراف سياسياً في فرنسا، بعواقب التجارب النووية في الأراضي التي لا تزال تحت إدارة فرنسا»، مشيرة إلى «فداحة تجاهل الجزائر من طرف التقرير. فبينما بدأت بولينيزيا في الحصول على تعويضات، يبدو أن 17 تجربة نووية أُجريت في الصحراء الجزائرية قد جرى تجاهلها من قبل النواب الفرنسيين معدّي التقرير»، وفق «الوطن»، التي كتبت أيضاً: «لا اعتراف ولا إجراءات خاصة، ولا التزام برفع السرية العسكرية التي لا تزال تحجب الوصول إلى الأرشيف. ويزداد القلق حيال هذا الصمت، بالنظر إلى أن آثار التفجيرات في رقان وإن إكر (جنوب الجزائر) لا تزال قائمة: تربة ملوثة، ومياه جوفية ملوثة، وأمراض خطيرة تصيب جنوداً فرنسيين سابقين ومدنيين جزائريين، عملوا أو عاشوا في المناطق المُشعّة».
ونقلت الصحيفة ذاتها عن رئيس الفرع الفرنسي للمنظمة غير الحكومية: «الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية»، جان ماري كولين، أن «مفهوم العدالة النووية دخل أخيراً النقاش العام، لكن ما دام الضحايا الجزائريون مستبعدين فإن هذه العدالة ستبقى ناقصة وغير منصفة». ونفس الموقف عبر عنه باتريس بوفريه، مدير منظمة «مرصد التسلّح»، الذي قال: «يجب ألا يؤدي عدم الاعتراف بتبعات التفجيرات في الصحراء (الجزائرية) إلى وجود معيار مزدوج على صعيد الذاكرة والتعويض». حسبما نقلته عنه «الوطن».
وعاد ملف التجارب النووية الفرنسية إلى الواجهة بقوة، بعد التدهور غير المسبوق في العلاقات بين البلدين أواخر يوليو (تموز) 2024، على خلفية إعلان «الإليزيه» تأييده لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء.
وفي نهاية العام الماضي، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال كلمة ألقاها أمام غرفتي البرلمان، دعوة صريحة لفرنسا إلى تحمّل مسؤولياتها في إزالة التلوث الإشعاعي، الناتج عن تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية، قائلاً: «لقد أصبحتِ قوة نووية، وتركتِ لي المرض... تعالي نظّفي ما خلّفته من نفايات».
وفي زيارة رسمية إلى روسيا في يونيو (حزيران) 2023، عبّر تبون عن رغبة الجزائر في التعاون مع موسكو في هذا الملف، مقترحاً توقيع اتفاقيات مشتركة بشأن معالجة آثار التجارب النووية الفرنسية، وأكد أن الجزائر «تأمل في الاستفادة من خبرة أصدقائنا الروس» في هذا المجال.
وتم إدراج «قضية التجارب النووية» في اتفاقيات الاستقلال، التي أبرمتها الحكومة المؤقتة الجزائرية مع السلطات الفرنسية في مارس (آذار) 1962، حيث ورد في الفصل الثالث منها بند سري، يسمح لفرنسا باستخدام قواعد جوية ومنشآت عسكرية، بما في ذلك مواقع الاختبارات النووية لمدة 5 سنوات بعد الاستقلال.
وعند تسليم المنشآت لسلطات الجزائر عام 1967 لم يكن هناك أي شرط يلزم فرنسا بتنظيف المواقع، أو مراقبتها إشعاعياً. كما لم تُحدَّد مواقع النفايات النووية بدقة، وما زالت فرنسا تتحفظ على رفع الطابع السري عن هذه المعلومات.
وطالبت عدة شخصيات جزائرية بارزة فرنسا بالاعتراف رسمياً بما سمته «الجرائم النووية»، وتأكيد المسؤولية الكاملة عن الآثار الصحية والبيئية.
وتشمل مطالب الجزائريين بهذا الخصوص تنظيف المواقع الثلاثة، التي شهدت التفجيرات من النفايات الإشعاعية والكيماوية، وهي رقان وإن إكر وواد الناموس. وتسليم الوثائق والخرائط الطبوغرافية التي تحدد بدقة مواقع الدفن والإشعاع. بالإضافة إلى تفعيل تعويضات عادلة عبر تعديل «قانون موران»، الذي أصدرته فرنسا عام 2010، الخاص بتعويض ضحايا التجارب النووية في الخارج، وتعميمه أو من خلال اتفاقية جديدة.