مطاعم ومزارع مصرية تراهن على «الطعام الريفي»

تتسابق في استعراض وصفات المحشي والمشلتت

مأكولات ريفية (مزرعة العزبة الفيسبوك)
مأكولات ريفية (مزرعة العزبة الفيسبوك)
TT

مطاعم ومزارع مصرية تراهن على «الطعام الريفي»

مأكولات ريفية (مزرعة العزبة الفيسبوك)
مأكولات ريفية (مزرعة العزبة الفيسبوك)

من الوصفات العائلية التقليدية التي توارثتها الأجيال، إلى الأطباق الريفية البسيطة التي صمدت أمام اختبار الزمن، يمكن لمحبي المطبخ المصري، استكشاف القصص والتقاليد وراء هذه المأكولات الشهيرة، من خلال زيارة المطاعم أو المزارع التي باتت تتنافس على تقديم الطعام التراثي، بمختلف أنواعه في اتجاه جديد فرض نفسه، ومن المتوقع أن يزداد خلال عام 2025.

المذاق الفريد والرائحة الجاذبة يمتزجان ليشكلا ثنائياً تصعب مقاومته في الأماكن المحلية والأصيلة المتخصصة في المأكولات التقليدية، سواء كانت مطاعم فاخرة أو متواضعة، أو مزارع ريفية على أطراف القاهرة، أو سيدات يقمن بإعداد هذه الأطعمة في بيوتهن وبيعها عن طريق التطبيقات الإلكترونية المختلفة.

الأرز المعمر الريفي (مطعم قصر الطواجن)

فطائر النشابي، والخمريد، والمسبوبة، والمحاشي، والدشيشة، والسخينة، بعض من الأطباق التي تقدمها السيدة مديحة عبد الجواد لزبائنها، وتبيعها عبر «أبليكشين» خاص، بعد أن تقدم بعض وصفاتها على مدونتها.

ومنذ أن انتقلت من الصعيد إلى الإقامة في القاهرة مع أسرتها منذ نحو 15 عاماً؛ فهي لم تكتفِ بحمل أمتعتها ومستلزمات أسرتها فقط، إنما نقلت معها ثقافتها، ومن أهم ملامحها نمط الغذاء التراثي المنتشر بالصعيد. في البداية كانت تطهو أطباقها لأسرتها وضيوفها فقط، لكن بعد فترة قصيرة، وأمام إعجاب الزوار بطعامها، رأت أن تطلق مشروعها للطعام الريفي المتخصص.

الحمام المحشي الريفي من شيف علي عبد الحميد (الشرق الأوسط)

تقول مديحة لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان كثير من هذه الأطباق موجوداً منذ قرون في صعيد مصر، حيث تم تناقل الوصفات عبر الأجيال من الجدات، وغالباً ما تتمتع هذه الأطباق بارتباط عاطفي قوي تجاه التجمعات العائلية، والاحتفالات والمناسبات الخاصة؛ وهو ما يفسر جذبها لنسبة مرتفعة من الزبائن».

وتتابع: «أعتبر نفسي أسهمت في نقل تراث الطعام من منطقة إسنا (جنوب مصر) إلى العاصمة؛ عبر ما أقدمه من أطباق مختلفة».

«النشابي» الساخنة من أكثر المأكولات التي يقبل عليها المصريون وفق السيدة مديحة، وتتابع: «هو نوع من الفطائر يكثر استخدامه في الأعياد، خصوصاً عيد الأضحى، حيث يضاف لهذه الفطائر الحساء الساخن، ويوضع عليها لحم الأضاحي».

السمن البلدي (مزرعة العزبة )

ومن أنواع الفطير الذي تقدمه أيضاً «المرق» أو «سليقة»، وهي عبارة عن فطيرة باللحم والبصل، تشتهر بها سوهاج (جنوب مصر)، إضافة إلى الفطير المشلتت والفطير الحلو.

تقدم السيدة الصعيدية قائمة أخرى من الطعام، من أبرز ما يميزها أنها تلطف إحساس من يتناولها في الصيف مثل «الشلولو» الباردة، بينما تنقل له الدفء في الطقس البارد مثل «المديدة»، تقول: «للنساء في جنوب مصر طرقهن لمواجهة برودة الجو؛ فالمرأة في الصعيد لا تعتمد في تدفئة أسرتها على الأغطية الثقيلة وحدها، إنما تطهو الوجبات الدسمة، التي أصبحت من التراث».

الحمام بـ الفريك المحمر في السمن البلدي (مطعم قصر الطواجن)

تعدُّ المزارع التي تسمح باستضافة الزبائن لقضاء يوم كامل داخلها لتناول أشهى الطعام الريفي وسط الطبيعة والمساحات الخضراء الممتدة، إحدى الظواهر التي انتشرت في مصر أخيراً، خصوصاً على أطراف العاصمة، حيث يمكن لهم الاستمتاع بمختلف أطباق الطعام الريفي داخلها، والذي يتم في الغالب طهوه أمامهم على أيدي سيدات ريفيات.

يراقب الزبائن هؤلاء السيدات أثناء العجن، واستخدامهن الفرن البلدي لتحضير الفطائر، أو الرقاق والقرص الفلاحي باللبن والزبدة، ويتابعونهن أثناء قيامهن بحشو الحمام أو الدجاج أو البط البلدي، وتحضير الفتة بالخل والثوم، أو بالصلصة الحمراء يعلوها لحم الضأن، أو ورق العنب بالريش، وغير ذلك من مأكولات تراثية.

الخضروات التقليدية يتنافس الطهاة في تقديمها (الشرق الأوسط)

ويمكن للعملاء أيضاً شراء ما يحلو لهم في نهاية اليوم، وحمله إلى منازلهم، أو شراء هذه المأكولات «أون لاين»، ومعها شراء مكونات كان في الماضي يستلزم الأمر السفر إلى القرى لشرائها، مثل السمن البلدي، والبيض، أو القشدة الملفوفة الفلاحي، أو الجبن القريش والجبن القديمة، والرقاق الطري الفلاحي.

«عندما نفكر في الطعام، فإننا غالباً ما نفكر فيه باعتباره مجرد (قوت)، أي أنه شيء يغذينا ويشبعنا، ومع ذلك، في الثقافة المصرية، يحمل الطعام أهمية أعمق بكثير، إنه وسيلة للتواصل مع تراثنا، والحفاظ على التقاليد، ونقل القصص من جيل إلى جيل»، بحسب محسن عابد، صاحب إحدى المزارع المصرية.

الأكل الريفي المصري (مبادرة تعالوا نعرف مصر)

ويرى أن زيارة مزرعة في مصر تُعد رحلة طهوية؛ لاستكشاف أصول المطبخ التراثي المحلي، يستمتع المرء خلالها بمذاق أطباق الفلاحين البسيطة، وأطباق الأعياد، ومأكولات الأثرياء، وكلها تتشابه في كونها مُحملة برائحة الماضي، وذات ارتباط عاطفي قوي بذكريات التجمعات العائلية، والاحتفالات والمناسبات الخاصة.

«ما بين وصفات الطهو باللحوم والطيور والمعجنات والخبز والصواني والطواجن والأرز المعمر بالقشدة، والمشروبات التقليدية، سيكتشف المرء القصص والتقاليد وراء هذه الأطباق الشهيرة»، وفق عابد الذي أضاف: «من خلال تناول هذه الأطعمة ستتذوق النكهات وتكتشف أسرار بعض أكثر أطباق التراث المحبوبة في مصر».

الفطائر (مزرعة العزبة "فيسبوك")

تتنوع الأطباق الريفية التي أصبحت المطاعم المصرية تحتفي بتقديمها باختلاف أسمائها ومكوناتها، وكلها تساعد في فهم أعمق للثقافات والأشخاص الذين شكلوا المشهد الطهوي المصري، يقول الشيف علي عبد الحميد، حول وصفات الأطباق التي يقدمها في المطعم: «الوصفات الريفية تتميز بثرائها وتعدد مكوناتها؛ فهناك أكلات (سكندرية)، وأخرى (صعيدية)، أو من سيوة أو دمياط وغير ذلك، بعضها تطور بمرور الوقت عبر إدخال مكونات جديدة، أو تأثراً بثقافات مختلفة على المطبخ المصري».

زبدة طوبة (مزرعة العزبة الفيسبوك)

الويكا أو البامية المفروكة، والقلقاس، والملوخية، والشلولو... بعض من أطباق الخضراوات التي يحتفي الشيف المصري بتقديمها في المطعم ضمن قائمة الأكلات الريفية، ويقول: «الخضراوات جزء مهم من المطبخ المصري، ويرجع هذا بشكل أساسي إلى التربة الزراعية الغنية على طول نهر النيل والدلتا، والتي سمحت بخضراوات وفواكه رائعة المذاق، تعزز نكهة الوصفات التي تعتمد عليها مثل الطواجن المختلفة، أو الأطباق الرئيسية الأخرى».

رقاق باللحم المفروم والسمن والقشطة البلدي(مطعم قصر الطواجن)

إذا كنت تتطلع إلى تجربة الأطباق التراثية المصرية بميزانية محدودة، فهناك بعض النصائح التي يجب وضعها في الحسبان، يقول عبد الحميد: «ابحث عن المطاعم المحلية والأصيلة المتخصصة في المأكولات التقليدية، ابتعد عن المناطق السكنية الجديدة مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد، وتوجه إلى الأحياء العتيقة مثل السيدة زينب أو الحسين».

وينتهي الشيف المصري إلى أنه «غالباً ما تتمتع هذه الأماكن بخيارات ميسورة التكلفة، ويمكنها توفير تجربة أكثر أصالة، من خلال الأجواء الشعبية المحيطة، يمكنك أيضاً تجربة صنع هذه الأطباق في المنزل، باستخدام وصفات من مصادر مصرية موثوقة من الطهاة المتخصصين في المأكولات الريفية التراثية».


مقالات ذات صلة

الفول واللوز والبازلاء الخضراء ..نكهة الذكريات

مذاقات الكعك التقليدي الذي يباع على كورنيش المنارة في بيروت (فيسبوك)

الفول واللوز والبازلاء الخضراء ..نكهة الذكريات

ما إنْ يصل فصل الربيع حتى تتفتّح معه براعم ذكريات أجيال من اللبنانيين. الأمر يتعلّق بخضراوات وفاكهة تكتظ بها الأسواق في موعدها هذا من كل سنة.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات كشري إسكندراني بالبيض و العدس من شيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

كيف تزيد نسبة البروتين في طعامك؟

ليست اللحوم وحدها هي طريقك إلى زيادة البروتين في أطباقك؛ لقد انتهى هذا العصر، الآن يمكنك فعل ذلك بسهولة من دون أن تغير أسلوبك في الطهي

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات صب زبدة البندق المذابة مع الشوكولاتة فوق أنواع  الحلويات

نصائح الطهاة لتصنيع واستخدام زبدة المكسرات

ما بين إضافتها لطبق المعكرونة أو أنواع مختلفة من العصير، أصبحت لديك بدائل كثيرة لتصنيع زبدة المكسرات واستخدامها منزلياً

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات آيس كريم بكمأة فاخرة (تريبيون ميديا)

ما هي أغلى 9 حلويات في العالم؟

يعتبر الكثير من الناس الحلوى نوعاً من الترف والرفاهية - فهي فاخرة، وغنية بالسعرات الحرارية، والنكهات، وفي كثير من الأحيان تكون غنية بالشوكولاته.

شانون كارول (نيويورك)
سفر وسياحة تجتذب رحلات الصيد مختلف الأعمار  (الشرق الأوسط)

رحلات الصيد البحري تجذب الهواة من جميع أصقاع العالم

يجذب البحر الأحمر في مصر هواة الصيد من جميع أنحاء العالم، بالنظر إلى طول سواحله الممتدة لمئات الكيلومترات

أحمد عدلي (القاهرة)

الفول واللوز والبازلاء الخضراء ..نكهة الذكريات

الكعك التقليدي الذي يباع على كورنيش المنارة في بيروت (فيسبوك)
الكعك التقليدي الذي يباع على كورنيش المنارة في بيروت (فيسبوك)
TT

الفول واللوز والبازلاء الخضراء ..نكهة الذكريات

الكعك التقليدي الذي يباع على كورنيش المنارة في بيروت (فيسبوك)
الكعك التقليدي الذي يباع على كورنيش المنارة في بيروت (فيسبوك)

ما إنْ يصل فصل الربيع حتى تتفتّح معه براعم ذكريات أجيال من اللبنانيين. الأمر يتعلّق بخضراوات وفاكهة تكتظ بها الأسواق في موعدها هذا من كل سنة. وكما الفول الأخضر كذلك البازلاء واللوز و«الأكي دنيا»، جميعها أنواع طعام يحنّ لها اللبناني من عام إلى آخر، فينتظر مواسمها كي يستعيد معها طعم ونكهة الطفولة.

ابتداء من شهر مارس (آذار) تبدأ هذه الأصناف من الخضراوات والفواكه تتصدّر أسواق الخضار والدكاكين في الأحياء، فتجذب المارة بطزاجتها ولونها الأخضر الذي يثير الشهية. هذه الأصناف تدخل في صميم حياة كل لبناني اعتاد تناولها في منزله العائلي. وهي من الأصناف التي لا يمكن له إيجادها بالطعم نفسه في أي بلد آخر.

لوز أخضر لذيذ المذاق (فيسبوك)

فالأولاد يتحلّقون حول صحن الفول الأخضر ليتناولوه مع «عروس اللبنة» المغمّسة بزيت الزيتون. يزيّن المائدة بمنظره الشهي، الذي يثير اللعاب، وعادة ما توصي الأم أولادها بعدم تناوله بكثرة. فالمبالغة في أكله كما تشرح لهم قد تصيبهم بانتفاخ ومشكلات في جهازهم الهضمي. وعادة ما يتلذّذ الأولاد بتناوله مع الملح. وكذلك الأمر بالنسبة للوز الأخضر. والاثنان يقدّمان في بيروت كنوع ضيافة يتسلّى بها الزائر إلى حين موعد الغداء أو العشاء.

ؤبعض المغتربين اللبنانيين يوصون أقرباءهم بحمل هذا النوع من البقوليات كهدية لهم. فيشتريها الأهل أو الأخت لأخيها في بلاد المهجر. وتقول سالي رزق لـ«الشرق الأوسط» إنها في كل مرة تسافر إلى باريس في هذا الوقت تحمل هذه البقوليات معها. وتتابع: «حتى عندما أسافر عند بناتي في الخليج العربي، أحمل لهم الهدية نفسها. وهي تتألف من بازلاء وفول ولوز أخضر. فهنّ مع أزواجهنّ يعشقون طعمه الذي يذكّرهم ببلدهم الأم».

أما ناتاشا معماري فتعتبر هذه الأنواع من الخضار إضافة إلى فاكهة الـ«أكي دنيا» لا تشبه بطعمها أي أخرى مثلها على كوكب الأرض. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «إنها كالمنقوشة بالزعتر، مهما حاولوا تقليدها في الخارج، تبقى اللبنانية منها هي الأفضل».

قرمشة «الجرانك»

موسم ينتظره الكبار والصغار

إلى جانب هذا النوع من البقول ينتظر اللبنانيون وصول موسم «الجرانك». وهي كناية عن فاكهة بطعم حامض تحدث قرمشة عند تناولها. وتشكّل «الجرانك» أيضا محطة طفولية في حياة اللبنانيين. فالبعض تذكّرهم بموسم قطافها مباشرة من الشجرة في مناطق بدادون ووادي شحرور. وآخرون تحمل لهم نسمات ذكريات كانوا يرافقون خلالها أهاليهم في نزهة سيراً على الأقدام. فكانوا يتوقفون تلقائياً لشرائها من الباعة الجوالين لأولادهم، فيتناولونها بعد إضافة القليل من الملح عليها.

وتتذكر نادين: «يوجد تقليد معروف في لبنان خلال موسم الأعياد. نتنزه مشياً لزيارة الكنائس أو أي معالم دينية وسياحية أخرى. كانت والدتنا تضطر لشراء اللوز الأخضر و(الجرانك) كي لا نملّ من المشوار، فنقرمشها بفرح وكأننا نتذوقها للمرة الأولى».

«كعك كعك» صوت البائع في الأحياء

وهناك محطة أساسية عند أجيال من اللبنانيين تعرف بتناول «الكعك بالزعتر». ففي سنوات خلت كان باعة الكعك ينتشرون على الطرقات أو يدورون من حي لآخر وهم ينادون بصوت مرتفع «كعك كعك» لجذب السكان. فيتهافت أولاد الحي الواحد حوله ليشتروها. وإلى جانب «الكعكة بالزعتر» يتم بيع كعك آخر يعرف بـ«الألّيطا». وهي كناية عن نوع كعك طري مغطّى بالسمسم المحمص. يشق في وسطه ويتم حشوه بالشوكولاته أو الجبن المبستر. يتناوله الأولاد بشهية كمحطة استراحة بين لعبة يمارسونها وأخرى. وكانت تلك الألعاب المسلية تتألف من القفز على الحبل و«اللقوط» التي تتطلب من الولد التقاط زميله كي يفوز باللعبة. فيما «الغميضة» كانت كناية عن لعبة محورها الاختباء في مكان ما وعلى الطرف الآخر أن يعرف مكانه.

الفول الاخضر يؤكل نيئا أو مطبوخا (فيسبوك)

الترمس و«الفول المسلوق»

حول الحدائق العامة

في الساحات والحدائق العامة لا بد أن يلفتك باعة الترمس والفول المسلوق وعرانيس الذرة المشوي. فهي محطات جوّالة في العاصمة، لا سيما في منطقة الروشة. يتم بيعها من على عربات خشبية تتنقل بين شارع وآخر. ويأتي الترمس بدلاً عن بذر اليقطين، فيشتريه الكبار كما الصغار بعد مزجه مع القليل من الملح ليتناولوه وهم يتفرّجون على بحر الروشة. الأمر نفسه يصح على الفول المسلوق. وعادة ما يتم بيعه في علب كرتون أو بلاستيك صغيرة، ويتم مزجه مع الكمّون وعصير الليمون الحامض. ولا تقل عرانيس الذرة شهرة عن الصنفين السابقين. فيعرضها الباعة مسلوقة في أوعية كبيرة، وكذلك مشوية مباشرة أمامك على نار الفحم.

OSZAR »