«مدينة المستقبل» على جزيرة أفريقية... حلمُ إدريس إلبا وفاءً لأصوله

حماسته تتعلّق بإعادة صياغة النظرة إلى القارة السمراء

إدريس إلبا... لا حدود للأحلام (رويترز)
إدريس إلبا... لا حدود للأحلام (رويترز)
TT

«مدينة المستقبل» على جزيرة أفريقية... حلمُ إدريس إلبا وفاءً لأصوله

إدريس إلبا... لا حدود للأحلام (رويترز)
إدريس إلبا... لا حدود للأحلام (رويترز)

بدت السنوات القليلة الماضية صاخبةً بالنسبة إلى روّاد التخطيط العمراني الطموحين، من بينهم الممثل والرابر الإنجليزي من أصول أفريقية إدريس إلبا، الراغب في بناء «مدينة المستقبل»، على جزيرة قبالة سواحل سيراليون في غرب القارة السمراء.

ما بدأ فكرةً لإنشاء فندق صغير في جزيرة «شربرو»، تطوَّر، وفق مجلة «فاست كومباني» إلى طموح أكبر. فألبا الذي ظهر في أفلام منها «أفنجرز: إنفينيتي وور»، و«مانديلا: مسيرة طويلة نحو الحرّية»، شارك في تأسيس شركة «شربرو وشركاه»، أو «SAP»، عام 2019، برفقة صديق طفولته السياسي سياكا ستيفنز، الذي كان جدُّه رئيساً لدولة سيراليون في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. وشهدت تلك البلاد ولادة إلبا.

تتمثّل رؤيتهما في بناء «مدينة بيئية أفريقية حيوية» تتمتّع بالمرونة في مواجهة التغيّرات المناخية، ويكون عنوانها الاستدامة، استناداً إلى القيم والمبادئ الثقافية الأفريقية، مثل المجتمع واحترام الطبيعة. في هذا السياق، قال إلبا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي): «إنه حُلم، كما تعرفون، لكني أعمل في مجال صناعة الخيال. الأمر يتعلّق بالاعتماد على الذات، وإقامة اقتصاد يُغذّي نفسه ويحتوي على إمكانات النمو والتطوّر. متحمِّس جداً لإعادة صياغة الطريقة التي يُنظر بها إلى أفريقيا».

الجزيرة القريبة مساحتها من مساحة مدينة شيكاغو الأميركية، تضمّ بالفعل مجتمعاً سكنياً (بلغ عددهم نحو 30 ألف نسمة منذ عام 2013، في أحدث البيانات المتاحة). ورغم طلب السكان تنفيذ تحديثات تقتصر على تجديد المدارس ومرافق المستشفى، بدت خطط «SAP» أكثر طموحاً، لتضمُّنها إنشاء بنية تحتية للطاقة الشمسية والرياح، وتطوير الساحل الجنوبي للجزيرة فيغدو منتجعاً سياحياً عالمي المستوى، وبناء مساكن لاستيعاب نحو مليون شخص في المستقبل.

لهذا الغرض، تعاونت الشركة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع شركة «أوكتوبوس» للطاقة المتجدِّدة لبناء أول مزرعة رياح في سيراليون، لينضمّ لاحقاً شركاء آخرون، فتولّت «ساساكي وشركاه»، وهي شركة تصميم وهندسة معمارية مقرّها الولايات المتحدة تخطيط المشروع والمناظر الطبيعية، وشركة «فوستر بلس وشركاه»، ومقرّها بريطانيا، التي تقف وراء مشاريع مثل مطار الكويت الدولي ومكتب لندن الجديد الخاص بشركة «آبل»، التنفيذ. عقَّب إلبا ممازحاً: «لم أتخيل أنني أستطيع وضع الأساس لمدينة ذكية جديدة. فجزء مني يرغب في بناء منزل تقاعدي جميل لوالدتي».


مقالات ذات صلة

انقراض «فلورا الشامية» يهدد الثروة الحيوانية في سوريا

بيئة أبقار من نوع «البقرة الشامية» المهدّد في مزرعة كلية الهندسة الزراعية بجامعة دمشق (الشرق الأوسط)

انقراض «فلورا الشامية» يهدد الثروة الحيوانية في سوريا

حذر خبراء زراعة في سوريا من انقراض وشيك لـ«البقرة الشامية» بشكلها النقي «فلورا»، كواحدة من السلالات النادرة في العالم.

سعاد جرَوس (دمشق)
سفر وسياحة يُبرز الإنجاز مبادرات الدرعية في الاستدامة البيئية والثقافية والسياحية (الهيئة السعودية للسياحة)

الدرعية ضمن «الوجهات العالمية الصديقة للبيئة»

اُختيرت محافظة الدرعية التاريخية (شمال غربي الرياض) ضمن "الوجهات العالمية الصديقة للبيئة" لعام 2025، التي تعد الأكثر التزاماً بالاستدامة السياحية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق جانب من أعمال «المنتدى السعودي - الصيني لتصدير المنتجات واستدامة القطاع الزراعي» (واس)

تعاون سعودي - صيني لإنشاء وتصميم المتنزهات... ونقل تقنيات التشجير ومكافحة التصحر

أكد الدكتور خالد العبد القادر، الرئيس التنفيذي لـ«المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر»، أن زيارة الوفد السعودي، مثلت خطو مهمة نحو تبادل الخبرات.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق حملة إعادة توطين الحيوانات البرية تشمل الظبي وغزال الريم والمها العربي والوعل الجبلي

ولادة 74 حيواناً برياً مهدداً بالانقراض في السعودية

سجلت السعودية ولادة 74 حيواناً برياً جديداً ضمن جهودها المتواصلة لحماية الحياة الفطرية، وإعادة توطين الكائنات المهددة بالانقراض في بيئاتها الطبيعية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أكثر من 975 هكتاراً من مدرجات زراعية في الجنوب الغربي للبلاد مؤهّلة ومجهزة بتقنيات حصر مياه الأمطار (الشرق الأوسط)

نحو الاستدامة البيئية… زراعة أكثر من 3.5 مليون شجرة في السعودية خلال عام

نفذ «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية، عام 2024، عدداً من المبادرات لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات في إطار «رؤية السعودية 2030»

غازي الحارثي (الرياض)

«قطعان الخيال» تجتاح شوارع لندن في نداء فنّي لإنقاذ المناخ

جسدٌ من ورق وقلب من احتجاج (إ.ب.أ)
جسدٌ من ورق وقلب من احتجاج (إ.ب.أ)
TT

«قطعان الخيال» تجتاح شوارع لندن في نداء فنّي لإنقاذ المناخ

جسدٌ من ورق وقلب من احتجاج (إ.ب.أ)
جسدٌ من ورق وقلب من احتجاج (إ.ب.أ)

احتضنت شوارع لندن مشهداً آسِراً تمثَّل في موكب من التماثيل الحيوانية بالحجم الطبيعي، تجوب المدينة مثل قطعان فوق رقعة فنّية نادرة. وصيغت الدمى من خامات مُعاد تدويرها، حاملةً في ثناياها حركة وإيقاعاً ورسالة بيئية صارخة، ضمن رحلة عالمية تُجسّد نداءً جمالياً لإنقاذ المناخ.

بدأت رحلة القطيع في لندن من جسرها الشهير، وواصل المسير عبر سوهو، وسومرست هاوس، وحدائق كورام، وشارع كامن هاي، وستراتفورد، ليلتقي خلال الطريق براقصين وموسيقيين وعروض مسرحية. وتحوَّلت المساحات العامة في المدينة إلى مسارح متحرّكة للخيال والتأمّل، فشهدت بلدة كامدن تاون عرض صيد رمزياً يجمع بين المجاز البيئي والمسرح التفاعلي في الشارع، في حين أضاف راقصو «سادلرز ويلز إيست» طاقتهم الحركيّة للمسيرة في ستراتفورد.

حراكٌ يُذكّر بأنّ الغابة تُحتضر في مكانٍ ما (إ.ب.أ)

لكن لندن لم تكن نقطة البداية لهذه الرحلة، وإنما محطة في مسار فنّي أطول بكثير. فقد بدأ القطيع مسيرته في 9 أبريل (نيسان) بكينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، وهي منطقة تعاني بشدة من التدهور البيئي. ومن هناك، واصلت المسير شمالاً عبر مدن أفريقية كبرى مثل لاغوس، وداكار، ومراكش، والدار البيضاء، والرباط. وفي كلّ محطة، تعاون فنانون محلّيون ونشطاء بيئيون وراقصون وموسيقيون مع المشروع، مما عمَّق رسالته الثقافية والبيئية.

الأرض تتغيّر... فهل نُصغي؟ (أ.ب)

وصلت «القطعان» إلى أوروبا في 1 يونيو (حزيران) الحالي، بدءاً من مدينة سان فيرناندو بإقليم قادش في إسبانيا، حيث استُقبِلت برقصة الفلامنكو أدّتها فرقة «هيرماناس فيليز». وفي مدريد، تفاعلت مع أعمال الفنان الحضري الشهير «سوسو 33»، ورقصت مع الفرقة الوطنية للرقص في موقعٍ كان في السابق سوقاً للماشية، وأُعيد تخيّله على أنه مركز للفنون الإبداعية. وفي آرل بفرنسا، ابتكرت فرقة «غرات سييل» عرضاً هوائياً بهلوانياً احتفالاً بوصوله، وفي فينيسيا شاركت ضمن «بينالي دانزا 2025»، في عرض من تصميم أنطوني ماتسينا.

البيئة ليست مسرحاً للعبث... إنها حياة (أ.ف.ب)

أما في باريس، فاستقرَّت في ظلال فندق «هوتيل دو فيل» خلال احتفالات «عيد الموسيقى»، وامتزجت مع النسيج العمراني العريق للمدينة في مشهد شاعري. وبعد لندن، سيتابع القطيع رحلته نحو مانشستر الكبرى، ليكون جزءاً من فعاليات «مهرجان مانشستر الدولي» بالشراكة مع أوركسترا «مانشستر كاميراتا»، ثم سيمرّ عبر روتشدايل وويغان، قبل التوجُّه إلى الدول الإسكندنافية.

تشمل أبرز محطات الشمال عرضاً ليلياً طويلاً في آرهوس، من تأليف كريستيان إيدنيس أندرسن، واستعراضاً مسرحياً في ساحة أوفيليا في كوبنهاغن بالتعاون مع المسرح الملكي الدنماركي. وفي استوكهولم، سيقتحم القطيع مركز «سكيرهولمن» التجاري قبل أن يحتلّ ساحة «سيرغيلس توري». وسيكون ختام الرحلة في تروندهايم، من 28 إلى 30 يوليو (تموز)، إذ سيُدمج القطيع في طقوس الشعب السامي الأصلي ضمن فعاليات مهرجان «أولافسفيست»، استعداداً لاختفائه باتجاه الدائرة القطبية الشمالية.

بإمكان الخيال أن يغدو أكثر واقعية من الأسفلت (أ.ف.ب)

الدمى المصمَّمة على هيئة حيوانات، مثل الزرافات والفيلة والظباء والأُسود، صُنعت من الكرتون والخشب المُعاد تدويره، لتُجسّد مفهوم الاستدامة البيئية بروح فنّية خلاقة. ومع كل محطّة، تُضاف إلى القطيع كائنات جديدة تُصنع محلّياً، في تعبير عن المرونة والتكيُّف في وجه التغيّرات البيئية. كما تنضمّ إلى الرحلة حيوانات تُمثّل التنوّع البيولوجي في كلّ منطقة، من قرود «الفرفت» في نيجيريا، إلى الغزلان والذئاب في أوروبا، والرنة في النرويج.

ويصف المخرج الفنّي أمير نزار زعبي هذا العرض بأنه «نداء حيّ يتنفس، ويجتاح القارات مثل صرخة تحضُّ على العمل».

بالنسبة إليه وإلى فريقه في «ذا ووك برودكشنز»، فإنّ الفنّ ليس حالة سلبية، بل محفِّز. ومن خلال جذب الجمهور إلى مساحات وتجارب مشتركة، يدعو «القطعان» الناس للتفكير فيما يُفقَد، وما لا يزال بالإمكان حمايته، وما يجب التحرّك العاجل من أجله.

رحلة عالمية توظّف الفنّ الحيّ لإيقاظ الوعي (إ.ب.أ)

إلى جانب العروض، يتضمَّن المشروع برامج تعليمية، وورشات عمل لصنع الدمى للأطفال، وورشات توعية بالمناخ، بعضها بإشراف طلاب من كلية ويمبلدون للفنون الذين ساعدوا في تصميم النماذج الأولية. وهو يُعرض رقمياً من خلال منصة «بلومبرغ كونكتس»، ليُتيح للناس الاطّلاع على كواليس هذه الهجرة الفنّية الضخمة.

في كلّ مدينة، يترك «القطيع» أثراً أعمق من مجرّد خطوات على الأرض؛ إنه يوقظ الأسئلة ويثير الأحاسيس ويبني جسوراً بين الخيال والواقع، بين الفنّ والنشاط، بين الصمت والاحتجاج. ومع اقترابه من الشمال الهشّ، فإنه يحمل معه ليس فقط جمال الفنّ، وإنما أيضاً رسالة بيئية عاجلة.

OSZAR »