بعد 23 عاماً من الغموض والحيرة بشأن هوية مرتكب جريمة قتل سيدة أميركية، تمكَّنت الشرطة من العثور على المتهم، وذلك باستخدام حيلة اعتمدت في الأساس على حمضه النووي.
بداية الواقعة
بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، يعود تاريخ الواقعة إلى 2 مايو (أيار) 2001، عندما اكتشف المحققون مقتل سيدة تدعى ليزلي برير داخل منزلها في منطقة تشيفي تشيس بولاية ماريلاند.
ففي صباح ذلك اليوم، لم تحضر برير إلى عملها في شركة إنتاج إعلانات، وشعرت إحدى زميلاتها بالقلق عليها واتصلت بعائلتها. وبعد ذلك، ذهب زوج برير، كارل، الذي كان قد غادر إلى عمله نحو الساعة 7:30 صباحاً، مع زميلتها إلى المنزل، الذي وجداه في حالة من الفوضى، حيث تحرَّكت السجادة من مكانها وكانت هناك طاولة مقلوبة، فضلاً عن وجود آثار دماء جافة.
ونادى كارل على زوجته، وبحث عنها في أرجاء المنزل، ليجد جثتها داخل حمام في الطابق العلوي.
تم استدعاء الشرطة. وخلصت التحقيقات ونتائج تشريح الجثة في النهاية إلى أنه بينما كانت برير بمفردها، دخل شخص ما إلى المنزل وهاجمها في الردهة الأمامية، وخنقها وضرب رأسها بالأرض، قبل أن يحمل جثتها إلى الطابق العلوي، ويتركها داخل الحمام ويختفي.
وجمع محققو الطب الشرعي عينات دم من المنزل، ووجدوا الحمض النووي لرجل مجهول.
وظلت هوية القاتل مجهولة لمدة 23 عاماً.
كيف توصَّلت الشرطة للقاتل؟
قبل عامين، وفي أثناء تكليفها بالتحقيق في القضية، خلصت المحققة تارا أوغستين إلى أن «جميع أساليب التحقيق المعقولة قد استُنفدت» باستثناء التقنية الجديدة نسبياً التي تُحلل عينات الحمض النووي وتقارنها بالعينات التي يُقدمها الأشخاص لشركات أبحاث الأنساب.
ولا تقود هذه التقنية مباشرةً إلى المشتبه به، بل تُرشد المحققين إلى أقاربه الذين يتشاركون معه بعض العلامات الجينية.
وباستخدام هذا البحث، ووفقاً لملفات المحكمة، وجد المحققون ارتباطاً بين الحمض النووي الموجود في مسرح الجريمة، وذلك الخاص بعائلة تدعى «غليغور».
ولاحقاً، وفي أثناء البحث في ملفات القضايا القديمة، عثرت أوغستين على بلاغ مُقدم عام 2002 ضد شخص يدعى يوجين غليغور (45 عاماً)، وذلك من جار سابق له قال إنه «اعتقد أنه قد يكون على صلة بجريمة قتل ليزلي برير».
لم يتضح قط مدى تدقيق المحققين في هذا البلاغ عام 2002. لكن أوغستين كانت فضولية بلا شك بشأن هذا الأمر، خصوصاً بعد نتائج الحمض النووي.
وقرَّرت المحققة القيام بخدعة لجمع الحمض النووي لغليغور. فبعد أن علمت أن المشتبه به كان عائداً من لندن في 9 يونيو (حزيران) 2024، استعانت أوغستين بضابط جمارك أميركي لإقناع غليغور بضرورة الذهاب إلى غرفة لإجراء «فحص ثانوي» ظاهرياً.
وأعطى ضابط الجمارك زجاجة ماء لغليغور، الذي ابتلع الطُعم وشربها قبل أن يضعها جانباً ويغادر.
ودخل المحققون بعد ذلك بوقت قصير ووضعوا الأدلة في كيس. وأكدت الفحوص لاحقاً تطابق العينة مع الحمض النووي الموجود في منزل برير وتحت أظافرها.
وفي 18 يونيو 2024، أُلقي القبض على غليغور من شقته في واشنطن.
الإقرار بالذنب
عندما ضيَّق المحققون الخناق على غليغور، الذي كان يواعد ابنة برير في التسعينات، واتهموه بالقتل من الدرجة الأولى. قدَّم محاموه دفاعاً قوياً، وقدموا طلبات لاستبعاد أدلة رئيسية من القضية.
وكان من المقرر أن تُعقَد جلسة قضائية في أغسطس (آب) ليرى القاضي فيما إذا كان سيتم رفض نتائج فحص الحمض النووي دليلاً في القضية، حيث قال محامو غليغور إن عينات الحمض النووي الخاصة به تم جمعها بشكل غير قانوني، ومن ثم ينبغي ألا يتم الأخذ بها دليلاً في القضية.
لكن، بدلاً من ذلك، توصَّل غليغور ومحاموه، أمس (الأربعاء)، إلى اتفاق مع الادعاء العام في مونتغومري، بإقراره بالذنب في تهمة أقل خطورة، وهي القتل من الدرجة الثانية، التي قد يواجه غليغور على أساسها عقوبةً قصوى بالسجن لمدة 30 عاماً، مقارنةً بالسجن المؤبد المحتمل في تهمة القتل من الدرجة الأولى.
وحُدّد موعد النطق بالحكم في 28 أغسطس.
شخص ودود واجتماعي
الأمر المثير للدهشة هو أن غليغور كان يحظى بحب واحترام زملائه وأصدقاءه جميعاً خلال السنوات الماضية.
وقد شغل منصب مدير حسابات لشركة وطنية تعمل في مجال المراقبة بالفيديو في العقارات التجارية. وكان ودوداً واجتماعياً مع أصدقائه، وكان يبدو مهتماً بالأخلاقيات وقيم تطوير الذات، وكان يعيش في منطقة يو ستريت العصرية بواشنطن.