في خضم العصر الرقمي، يبرز غوتز فاليان بوصفه أحد آخر الحرفيين ممن يمارسون فناً يوشك على الاندثار في برلين، وهو رسم ملصقات السينما يدوياً.
على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ هذا الفنان النمساوي المولد (65 عاماً)، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في المدينة. وهي حرفة، كما يقول، سترحل برحيله على الأرجح، على الأقل في أوروبا الغربية.
يعتمد فاليان، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، في عمله على ملصقات الدعاية الرسمية التي تُصدرها استوديوهات الإنتاج بوصفها نماذج أولية، بيد أنه يضيف لمساته الخاصة المستوحاة من «فن البوب» وجماليات ما يُعرف بـ«النقص الجمالي». هذه البصمة الفنية الفريدة ساعدته في مواصلة مسيرته حتى القرن الـ21.
ويقول: «إن الدعاية تهدف إلى لفت الانتباه، أما أنا فأضيف لها لمسة إنسانية، ولهذا تنجح أعمالي».
في لوحاته، يركّز على جوهر الصورة، سواء كانت مقدمة سفينة ضخمة، أو عيون نجمة سينمائية آسرة، أو ابتسامة غامضة. ويصف نفسه مازحاً بكلمة «Kinosaurier»، وهي مزيج بين «سينما» و«ديناصور» بالألمانية، في إشارة طريفة إلى كونه من آخر من يمارس هذا الفن المنقرض تقريباً.
ولطالما زينت لوحات فاليان القماشية العملاقة، التي يبلغ طولها نحو 9 أمتار وعرضها 7 أمتار، واجهات «قصور السينما» في برلين، مثل دار سينما «دلفي» العريقة في غرب المدينة، و«كينو إنترناشيونال»، التحفة المعمارية ذات الطابع الاشتراكي في شارع كارل ماركس (شرق).
لكن الزمن تغيَّر؛ فتحوّلت «دلفي» إلى الإعلانات الرقمية عام 2024، في حين أُغلقت «كينو إنترناشيونال» مؤخراً، لأعمال ترميم قد تستغرق سنوات.
اليوم، لا تزال «فيلمتِيَتر أم فريدريششاين»، التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمن، آخر دار عرض في برلين تستعين بخدمات فاليان، للترويج لأفلامها الجديدة.
ويعود تاريخ ملصقات الأفلام إلى بدايات السينما قبل نحو 130 عاماً، لكنها باتت نادرة اليوم، إذ لم تعُد الأفلام تمكث في دور العرض مدة كافية تستحق تصميم بوسترات فنية خاصة بها، كما يوضح باتريك روسلر، أستاذ دراسات الإعلام بجامعة إرفورت، في تصريح لوسائل إعلام محلية. ويضيف أن معظم دور العرض المستقلة لم تعُد تملك هوامش ربح تكفي لتغطية تكلفة مثل هذه الأعمال، حتى بأسعار فاليان التي يصفها بنفسه بأنها «زهيدة جداً».