طلال الحمود
إعلامي وكاتب سعودي، رئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة العربية.
TT

انسحاب الأهلي والزمالك

استمع إلى المقالة

يتابع أنصار كرة القدم العربية منذ الخمسينات ديربي الزمالك والأهلي الشهير لكونه المناسبة الأهم بصخبها وفنونها وجنونها، وتوارثت أجيال متوالية الحرص على متابعة هذه المباراة بدءاً من مستمعي الراديو إلى مشاهدي التلفزيون، وصولاً إلى البث التفاعلي ومستخدمي أجهزة الديجيتال، ومع مرور السنوات تحولت مواجهة القمة إلى سوق كبيرة تجذب بشعبيتها الشركات التجارية لإنفاق ملايين الدولارات على الاستثمار، وشراء الإعلانات، وتسويق حقوق البث، بدرجة منحت الاتحاد المحلي والأندية عائدات مالية توازي مصروفات التعاقدات مع اللاعبين والمدربين، وتوفير فرص العمل لكثير من الشبان المصريين.

هذه السوق الرائجة باتت مهددة بالكساد في المواسم الأخيرة بعدما أصبحت منافساتها تقام خارج الملاعب بتشكيلة من الإداريين وليس بفريق من اللاعبين داخل المستطيل الأخضر؛ ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين والمعلنين ومعهم القنوات الناقلة في الحصول على المنتج «الديربي» دون منغصات أو تأجيل أو إلغاء، خصوصاً أن ظاهرة انسحاب فريق من مواجهة القمة أمر لا يمكن حدوثه في زمن بطولات المحترفين وتحوُّل كرة القدم من عصر الهواية إلى صناعة تتقاطع مع الاقتصاد والسياسة والثقافة والصحة، فضلاً عن خروج اللعبة من مرحلة الاجتهادات إلى العمل الاحترافي والحوكمة ضمن منظومة عالمية متجددة، وفق سياسات وقواعد تراعي استدامة المنافسات، وتحفظ حقوق الأندية والاتحادات من الممارسات غير المهنية التي يمكنها الإضرار بالمصالح والشراكات الاستراتيجية مع الجهات التجارية «الرافد الأهم للكيانات الرياضية».

وحين يلجأ أحد أكبر المستفيدين إلى الانسحاب وإغلاق سوق الديربي دون الالتفات إلى الخسائر المالية التي سيتكبدها والأضرار المحتملة ضد مصالح وسمعة السوق عموماً، فالأرجح أن هناك قيادات إدارية لا تنتمي إلى عصر الاحتراف، ولا تؤمن بأن كرة القدم تخطت زمن «الكرة الشَّراب» إلى الإدراج في بورصات «نيويورك» و«ناسداك»، بعدما أصبحت الأندية كيانات منتجة تبحث عن تحقيق أفضل الإنجازات وأعلى الإيرادات لتبرهن نجاح نشاطها وقدرة القائمين عليه، والمؤكد أيضاً أن هذه القيادات لا تعلم عن تطور الإدارة الرياضية في العالم، ما يجعلها ترفض الأفكار الجديدة، وتكفر بأهمية التحول إلى مرحلة الاحتراف بما يتطلبه من رؤية واضحة وسياسات ناضجة تراعي مصالح الكيانات بعيداً عن الارتجالية والقرارات «العنترية»، خاصة أن انسحاب الأهلي أو الزمالك من مباراة الديربي ظاهرة بدأت منذ العشرينات على نحو ما كان يحدث في أرجاء الدنيا حينها، قبل أن تتوقف الانسحابات مع إطلاق بطولات المحترفين في كثير من بلدان العالم، حتى باتت لا تُذكر إلا حين يُصدر أحد قطبي العاصمة المصرية بياناً يعلن فيه انسحابه من الديربي!

الحقيقة أن قرار مسؤولي الأهلي بالانسحاب لا يعكس صورة نادٍ عريق يفاخر بقوته وأفضليته على بقية الأندية محلياً وقارياً، بقدر ما يبرهن على أنه لا يختلف كثيراً عن بقية المنافسين في طريقة الإدارة واتخاذ القرار، لاعتبار أن النادي القاهري تعامل مع هذه الأزمة بعدم احترافية وبطريقة تلبي رغبة مسؤوليه في خوض المباراة خارج الملعب، على حساب حاجة الكيان للحفاظ على مصالحه والإبقاء على صورته بطلاً ينتزع الانتصارات من منافسيه داخل الميدان.



OSZAR »