من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

«السوشيال ميديا» توفّر الفرص لدخلاء على مهن مختلفة

الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
TT

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون خلالها كأنهم امتلكوا مفاتيح المعرفة. وتطول هذه الموضوعات المجتمع والصحة والأزياء والأناقة وأساليب المكياج. ولعلّ أكثر هذه المنشورات إثارة للجدل هي الخاصة بـ«بلوغرز الطعام». فهم يسمحون لأنفسهم بإعطاء آرائهم حول مطعم وطبق ومقهى، وأي منتج يمتّ للمأكولات بصلة.

وفاء مصطفى "فود بلوغر" أثارت الجدل بآرائها حول بائعة ذرة (انستغرام)

مؤخراً أثار فيديو مصور نشرته بلوغر الطعام وفاء مصطفى، عبر حسابها على «تيك توك»، الجدل. قدّمت البلوغر عرضاً مباشراً لزيارة قامت بها لبائعة طعام على عربة في بيروت. حصلت على طلبها من صحن فيه تشكيلة من الذرة والفول والترمس. وبعد تذوقها لمحتواه لم تتوانَ عن بصق حبوب الترمس، وانتقاد عدم نضج حبوب الذرة والفول بالحامض. المشهد أثار حفيظة المتابعين وانتقدوا أسلوبها لأنه يسهم في قطع رزق البائعة. وتساءلوا عمّن يعطي الحق لوفاء وأمثالها بتصوير وانتقاد منتجات معينة من الطعام. فالأمر قد ينبع عن سابق تصميم لمحاربة هذه البائعة أو غيرها. وقد يكون انتقاداً في محلّه، ولكن لا يصحّ إيصاله بهذه الطريقة القاسية.

أمثال وفاء كثر، وأعدادهم تفوق المئات على «السوشيال ميديا». يدخلون مطعماً ما لنراهم يثنون على أطباقه وخدماته. وفي مكان آخر يشنّون حملات ضده لعدم إعجابهم بأكله.

جومانا دموس سلامة، منظمة «صالون هوريكا» للخدمات الغذائية والطعام في لبنان والعالم العربي، تبدي رأيها بهذا الموضوع لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الفوضى تعمّ وسائل التواصل الاجتماعي وتنعكس سلباً على نواحٍ عدة.

جومانا دموس سلامة الساحة تغربل نفسها (انستغرام)

وفيما يخص موضوع بلوغرز الطعام فهو أحياناً يتجاوز قصة إبداء الرأي المنطقي ليصل إلى الأذيّة. وهو أمر غير مقبول. ولذلك على أصحاب المطاعم وكل من يعمل في مجال الأكل أن يختار الشخص المحترف والجدير بالثقة».

وتشير سلامة، في سياق حديثها، إلى أن تقاضي المال مقابل هذه الحملات، سلبية كانت أم إيجابية، تقف وراء غياب الآراء السليمة. وتتابع: «هناك مؤثرو طعام كثر بدأوا عملهم بشكل صحيح. فكانوا يتبعون قواعد معينة حول تذوقهم لطبق ما. فلاقوا شهرة واسعة ونسبة متابعين كبيرة. ثم ما لبث العنصر المادي أن أفسد مهمتهم. واليوم تمنعهم مطاعم كثيرة من دخول صالاتها».

نجد مؤثراً يدخل مطعماً معيناً، ويبدأ في التحدث عن أطباقه المميزة وهو يتذوقها بشهية مفتوحة. الأمر الذي يدفع بكثيرين إلى تقليده، فيتوجهون إلى المطعم المذكور. ولكن يتفاجأون بأن مؤثّر الطعام بالغ في تقديراته.

وعندما سئلت المؤثرة وفاء، صاحبة الفيديو الشهير، عن بائعة الذرة والقاعدة التي تتكئ عليها لإبداء رأيها. أجابت ببساطة: «على فمي والمذاق الذي أشعر به، فالأمر لا يحتاج فلسفة».

ولكن للطهاة المعروفين رأياً مناقضاً لهذه القاعدة. فتذوق الطعام وتقدير جودته وطعمه اللذيذ ليس بالأمر السهل. فهو يحتاج لخبرة طويلة ودراسات مكثفة. وكذلك إلى خلفية علمية تخوّل المتذوق التفريق بين طبق تم تحضيره بجودة ودقة أو العكس.

يقول الشيف دواش، المعروف بأطباقه المبتكرة، لـ«الشرق الأوسط»: «شهرتي التي اكتسبتها على السوشيال ميديا جاءت بناء على خبرة لمسها متابعي. فقد درست لسنوات طويلة وحصلت على شهادات عدة في عالم الطبخ حتى صرت (شيف). ولذلك على من يريد دخول هذه المهنة، أن يكون قد عمل فيها. فالخبرة مهمة في عالم الطهي. كما أن هناك قواعد أساسية للطهي يجهلها العدد الأكبر من هؤلاء المؤثرين، ما لا يجيز لهم إبداء آرائهم بالطعام لمجرد تذوقه».

ويرى الشيف دوّاش أنه هو نفسه لا يسمح لنفسه بإعطاء رأيه بطبق لغيره: «أحرص على هذا الموضوع دائماً مع أن أطباقاً كثيرة أتذوقها في مطعم ما، تكون عندي ملاحظات كثيرة عليها. فهناك طرق خاصة لطهي اللحوم والأسماك والدجاج تؤثّر على المذاق. كما أن جودة المكونات تلعب دوراً أساسياً في الموضوع. فهذه المعايير لم تلد بالصدفة، بل من رحم خبرات طويلة وشاقة يمضيها الطاهي في العلم والتجربة. ويمكنني القول إن فوارق قليلة، يمكننا أن نشعر بها في طبق معين بين مطعم وآخر. وهذا الأمر يلزمه شخص بارع في مجاله ولديه خلفية علمية. ومع الأسف غالبية (الفود بلوغرز) لا يتمتعون بها».

ولكن كيف يمكن وضع حدّ لهذه الفوضى التي يثيرها «الفود بلوغرز» على وسائل التواصل الاجتماعي؟ تردّ جومانا دمّوس سلامة: «هناك وعي عند الناس يجعلهم يكتشفون المؤثر الجيد عن غيره. فالغربلة تحدث تلقائياً، لأن المتابع المفتوح على مواقع إلكترونية عدة، أصبحت لديه القدرة الكافية لإدراك الصح والخطأ في هذا الموضوع».

أما الشيف السعودي ياسر جاد، مستشار التغذية لرئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض، فلديه رأيه بالموضوع. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا ضد هذه الظاهرة وأراها غير صحيّة. فمعظمهم يعملون مقابل أجر مادي للترويج لمطعم ما.

الشيف ياسر جاد يرى ظاهرة البلوغرز غير صحية (انستغرام)

وهذا الأمر يؤثّر مباشرة على بيزنس المطاعم والتغذية عامة. والأفضل لأصحاب المطاعم أن يصرفوا نفس المبالغ على حملات إعلانية متقنة. فهي تثمر نتائج أفضل وتكون مصدر ثقة أكبر. وللحدّ من هذه الظاهرة يجب برأيي استخدام (ريفيو سيستم) لمنظمات معترف بها عالمياً، تغيب عنها المصالح الخاصة، وتضع الأمور في نصابها ضمن منهج أكاديمي».

وفي النهاية، السؤال يطرح نفسه هنا في ظل غياب تنظيم محتوى وسائل التواصل الاجتماعي: «من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟».


مقالات ذات صلة

مطعم «أم»... نبع الحنان في كل طبق

مذاقات مازة شهية (الشرق الاوسط)

مطعم «أم»... نبع الحنان في كل طبق

في قلب العاصمة البريطانية، وبين زحام المطاعم العالمية، يبرز المطبخ اللبناني وجهةً تحمل عبق الشرق ونكهاته الغنية.

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات  طبق "جمبري بِل بِل" خيار غني لمحبي الماكولات البحرية من "MENTA"

«مينتا»... تجربة جديدة للطعام الإيطالي في مصر بمذاق «النعناع»

في إيطاليا، ينمو النعناع في كل مكان، تزرعه ربات البيوت في صناديق على النوافذ، أو في حدائق المنازل

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات طبق مميز من تنفيذ الشيف ألان الجعم (الشرق الاوسط)

الجعم: عبّرت للرئيس عون عن حماسنا لمشاركة لبنان بنجاحاتنا

يعدّ الشيف ألان الجعم أول طاهٍ لبناني يحصد نجمة «ميشلان» عن أطباق مطعمه «ألان عزام الجعم» في باريس.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات كيكة الهبة بالبيستاشيو تحولت إلى ترند

موجة الفستق تغزو الحلويات في مصر

ما بين صواني الكنافة ولفائف الكرواسون وصولاً إلى «الكشري الحلو»، حتى المشروبات، استطاع الفستق الحلبي أو «Pistachio» أن يجد لها مكاناً في عالم الحلويات.

منى أبو النصر (القاهرة)
مذاقات ادي مسعد مؤسس "swiss butter" (الشرق الاوسط)

إدي مسعد لـ«الشرق الأوسط»: الإنجاز هدفي منذ الصغر

يمثّل إدي مسعد واحدة من أجمل قصص النجاح اللبنانية التي طالت العالمية. جدّي بخطواته ومتمسك بالـنظام، كقاعدة أساسية في عمله، استطاع أن يحرز الفرق.

فيفيان حداد (بيروت)

مطعم «أم»... نبع الحنان في كل طبق

مازة شهية (الشرق الاوسط)
مازة شهية (الشرق الاوسط)
TT

مطعم «أم»... نبع الحنان في كل طبق

مازة شهية (الشرق الاوسط)
مازة شهية (الشرق الاوسط)

في قلب العاصمة البريطانية، وبين زحام المطاعم العالمية، يبرز المطبخ اللبناني وجهةً تحمل عبق الشرق ونكهاته الغنية. فيُعرف هذا المطبخ بتنوع أطباقه، وتوازن مكوناته، وجاذبيته لكل من يبحث عن وجبة شهية وصحية في آنٍ معاً. خلال زيارتي الأخيرة لمطعم لبناني «أم» في بارنز الوادعة على نهر التيمس بلندن، كانت الفرصة سانحة لاكتشاف كيف تُترجم هذه السمعة الرفيعة إلى تجربة حقيقية على الطاولة، من جودة الطعام وتقديمه، إلى الأجواء العامة والخدمة. في هذا التقييم، أشارككم انطباعاتي الكاملة عن الزيارة.

الشيف صلاح زنيط (الشرق الاوسط)

اسم «أم» يعني «الأم» بالعربية، وهذا ما أراداه صاحب المطعم بيار حبيقة والشيف صلاح زنيط؛ ليعكس روح الدفء والحنان التي يقدمها المطعم لزواره وتقديم مأكولات تشبه الأطباق منزلية التحضير التي تقوم بطهيها الأمهات.

تتميز الديكورات الداخلية بألوان مستوحاة من البحر الأبيض المتوسط، فيطغى عليها الأخضر الزيتوني الذي يرمز إلى بساتين الزيتون اللبنانية، والألوان الترابية التي تعكس جمال الطبيعة، وتضفي الإضاءة الهادئة واللوحات الفنية لمسة من الأناقة والحميمية على المكان، وتنير الطاولات مصابيح صغيرة وخافتة النور باللون الذهبي.

إنارة خافتة تزين الطاولات (الشرق الاوسط)

من اللحظة الأولى لدخول المطعم، تشعر بدفء الضيافة اللبنانية. التصميم الداخلي يعكس روح البيت الشرقي الأصيل، الجلسات مريحة وتمنح إحساساً بالخصوصية، مع موسيقى خلفية ناعمة تُضفي على الجو طابعاً حميمياً دون أن تزعج الحديث. وهناك جلستان خارجيتان أيضاً لمحبي الجلوس في الهواء الطلق، واحدة منها مسقوفة؛ ما يجعل الجلوس فيها ممكناً ولو كان الطقس ممطراً.

تتوزع على الجدران رسومات ولوحات تعكس روح البلدات والقرى اللبنانية، وهي ممهورة بريشة الفنانة اللبنانية ميراي بستاني المعروفة باستخدامها الألوان الزاهية وترجمة نمط الحياة اليومية اللبنانية في رسومات جميلة تبعث الناظر على الشعور بفرح الألوان.

مسك الختام في "أم" حلوى لبنانية على أصولها (الشرق الاوسط)

طاقم الخدمة كان ودوداً للغاية، سريع الاستجابة، ويحرص على شرح مكونات الأطباق لمن لا يعرف المطبخ اللبناني جيداً، خاصة وأن أغلبية سكان «بارنز» هم إنجليز وتُعرف هذه المنطقة بكونها أشبه بقرية صغيرة في قلب لندن، وتنتشر في شارعها الرئيس البوتيكات الصغيرة والمقاهي، فأضاف «أم» رونقاً لهذه المنطقة؛ لأنه أصبح مقصد المقيمين في المنطقة وعنوانهم المفضل للطعام.

لائحة الطعام متنوعة وتضم كل ما يشتهر به المطبخ اللبناني من مقبلات ساخنة وباردة، أطباق رئيسة، وحلويات تقليدية.

مقبلات لذيذة (الشرق الاوسط)

بدأنا بطبق مشترك من «المزة» اللبنانية، اشتمل على الحمص، المتبل، التبولة، الفتوش، وورق العنب المحشي. كانت النكهات متوازنة والبهارات المستخدمة دقيقة دون مبالغة. الحمص كريمي بقوام مثالي، والمتبل بنكهة مدخنة لذيذة وتفنن الشيف الرئيس في المطعم صلاح زنيط ببعض الوصفات التقليدية مثل الحمص فأضاف إليه الفطر أو المشروم؛ ما زاده نكهة تتناغم مع الحمص والطحيني. من الأطباق اللذيذة أيضاً «كفتة بالصنوبر» و«فتة باذنجان»، جميع الأطباق قُدمت بشكل جذاب وكانت مطهية بإتقان. ومن الأطباق التي ننصح بها أيضاً ورق العنب المحشي، وكتف لحم الضأن المطهو بتوابل خمس بهارات مع أرز البخاري، وكرات اللحم «داوود باشا» مع أرز الشعيرية والسمكة الحرة والكبة باللبن الساخن، واللافت في هذا الطبق الأخير أنه كان خفيفاً جداً ولذيذاً بالوقت نفسه؛ فهو من الطبخات اللبنانية التقليدية ويقدم مع الأرز بالشعيرية.

سمكة حرة ببهارات خاصة بها (الشرق الاوسط)

ولمحبي الحلوى، يمكنهم تذوق الكنافة والمهلبية والفستق الحلبي مع الآيس كريم، وجميع أصناف الحلوى كانت على قدر كبير من الجودة، خصوصاً الكنافة التي جاءت مقرمشة من الخارج وناعمة من الداخل مع القطر المعتدل الحلاوة.

يشار إلى أن نجاح مطعم «أم» يعتمد على التناغم الواضح في علاقة الشراكة في العمل وعشرة العمر والصداقة التي تربط ما بين بيار حبيقة الذي يمتلك خبرة واسعة في إدارة المطاعم، حيث كان يدير مطعم «فخر الدين» و«عبد الوهاب» بلندن، بالإضافة إلى تأسيسه مطعم «وردة» في شمال لندن عام 2012 وما بين الشيف صلاح زنيط، الذي أمضى أكثر من 25 عاماً في تقديم المأكولات اللبنانية في لندن ولبنان ودول أخرى.

OSZAR »