«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

عمل سينمائي يُثبت أنه ليس بشبَه الملامح وحدَه تحيا أفلام السيرة الذاتية

الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
TT

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

كان كلّما سُئل عن أقصى أحلامه، يجيب شارل أزنافور: «أن أغنّي على المسرح حتى عمر الـ100». رحل قبل 6 سنوات من تحقيق الحلم، لكنّه أبى إلا أن يطلّ على الجمهور في مئويّته من خلال فيلم «Monsieur Aznavour» (السيّد أزنافور) الذي بدأ عرضُه في الصالات العربية في ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن كانت الانطلاقة في فرنسا في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

ليس من الممكن اختصار عملاق الأغنية الفرنسية بساعتَين سينمائيتَين، غير أنّ الفيلم الذي يتّخذ شكل سيرة ذاتية، على قدرٍ عالٍ من الطموح والإتقان. يسرد بسلاسةٍ وبساطة، ومن دون تبجيل، المراحل الأساسية من حياة الفنان الفرنسي الذي لم يتخلّ يوماً عن أصوله الأرمنية.

هو شارل أزنافوريان، الطفل الدائم الابتسامة، الذي نراه في بداية الفيلم وسط عائلته المهاجرة إلى باريس. أبٌ وأمٌ وولدان يحترفون الغناء والرقص والفرح، رغم الفقر وضيق العيش والاحتلال النازيّ إبّان الحرب العالمية الثانية. كبر شارل في غرفةٍ صغيرة لم تتّسع سوى للأحلام والموسيقى، فكان لا بدّ للطريق من أن يرتسم واضحاً أمامه: الفن وخشبة المسرح.

يسلك الفيلم خطاً تاريخياً تصاعدياً، فلا يتضمّن فقرات استرجاع زمني، ولا يخلط مراحل السيرة. أما الإخراج فليس مدّعياً ولا فضفاضاً، رغم ميزانيةٍ تخطّت الـ25 مليون يورو. هذه المعالجة الزمنية الكلاسيكية اعتمدها الكاتبان والمخرجان مهدي إيدير وفابيان مارسو المعروف بـ(Grand Corps Malade)، في مسعىً منهما إلى الإخلاص قدر المستطاع لتاريخ أزنافور الحافل.

مخرجا وكاتبا «Monsieur Aznavour» مهدي إيدير وفابيان مارسو (باتيه فيلم)

اللافت أن أزنافور، ولدى استشارته قبل وفاته في إمكانية تصوير فيلم عن حياته، كان قد منحَ بركتَه لإيدير ومارسو، معبّراً عن إعجابه بأعمالٍ سابقة لهما. ثم أتى الإنتاج ليغلّف الفيلم بمعطفٍ عائليّ، إذ تولّى العملية الإنتاجية صهر أزنافور جان رشيد قالوش. وحتى تكتمل البصمة العربية، بما أنّ قالوش وإيدير من أصول جزائرية، جرى اختيار الممثل طاهر رحيم لأداء دور البطولة، وهو أيضاً جزائريّ الأصل.

لا بدّ من الاعتراف لرحيم بمجهوده الهائل في تجسيد الشخصية الاستثنائية. الممثل البالغ 43 عاماً أدّى مراحل حياة أزنافور كلّها، مع العلم بأنّ التركيز انصبّ على الفترة الممتدّة ما بين البدايات الفنية في سنّ الـ20، وأولى سنوات المجد وما بعدها، أي حتى سنّ الـ50.

بذل طاهر رحيم مجهوداً هائلاً في تجسيد شخصية أزنافور (باتيه فيلم)

وفق حوارات صحافية أجريت معه، فقد تدرّب رحيم 6 أشهر على تقمّص شخصية أزنافور. خلال نصف سنة، اقتصرت مشاهداتُه على أرشيف الفنان الخاص والعام، كما التقى مطوّلاً أفراد عائلته للتعرّف أكثر إلى وجهه الآخر. لم يقف الممثل عند هذا الحدّ من أجل تركيب الشخصية، بل أصرّ على أداء أغاني الفيلم بصوته بعد أن خضع لتدريبٍ طويلٍ وقاسٍ. بدا التشابه صادماً في أغنيات مثل «Emmenez-Moi»، و«La Boheme»، و«Les Comediens»، مما دفع ببعض النقّاد إلى القول إنّه جرى دمج صوتَي أزنافور ورحيم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهو أمرٌ غير مستبعَد.

أغاني أزنافور هي زينة الفيلم وقد أصرّ رحيم على أدائها بصوته (باتيه فيلم)

إذا كان في الغناء بعض الاستنساخ، فإنّ أداء السيناريو هو بصوت رحيم الأصليّ، وهنا يبرز المجهود الحقيقي؛ فعندما يتكلّم الممثل يظنّ السامع أنها نبرة أزنافور نفسه. كما تلعب الحركة الجسمانية والإيماءات الخاصة دوراً إضافياً في الإقناع.

على الرغم من الماكياج والمؤثرات التي كان يستغرق تنفيذها 4 ساعات خلال كل يوم تصوير، لم يتحقّق هدف التشابه في الملامح. لكن ليس بالشبَه وحدَه تحيا أفلام السيرة، فرحيم يملأ موقعه ولا يُفقد الشخصية بريقَها، وذلك من دون أن يقع في فخّ التقليد.

مشهد اللقاء الأول بين أزنافور وزوجته الثالثة أوللا تورسيل (باتيه فيلم)

يسير «Monsieur Aznavour» على إيقاع أبرز أغنيات الفنان وهي زينةُ الفيلم. يُقسم العمل إلى 5 فصول؛ على خلفيّة «Les Deux Guitares» (القيثارتان) ذات النغمات الأرمنية، ينطلق مسترجعاً طفولة المغنّي المحفوفة بذكريات الإبادة الأرمنية والهجرة الصعبة إلى فرنسا. أما الفصل الثاني فمخصّص لأولى سنوات شبابه «Sa Jeunesse»، وبداياته في عالم الكتابة والغناء. قد تُوقِعُ هذه السرديّة الكلاسيكية العمل في الرتابة، لكن سرعان ما يحلّ الفصل الثالث بعنوان «La Boheme» ليبثّ الحياة في الفيلم، لا سيّما مع دخول شخصية المغنية إديث بياف والتي تؤدّيها ببراعة الممثلة ماري جولي باوب.

شكّلت بياف نقطة تحوّل في مسيرة أزنافور، فهي التي وضعته في واجهة حفلاتها ليفتتحها بصوته، وهي التي شجّعته على الخضوع لجراحة تجميلية للأنف. وضمن إطار صداقتهما الاستثنائية، حثّته على سلوك طريقٍ فني منفرد بعد أن استمرت شراكته الغنائية مع بيار روش (تمثيل باستيان بويون) لسنوات.

لم تلعب بياف دوراً محورياً في حياة أزنافور فحسب، بل هي أحد القلوب النابضة للفيلم، كما أنها تستحق كل مشهدٍ خُصِص لها فيه، حتى وإن بدا طويلاً؛ كل ذلك بفَضل موهبة الممثلة الآسرة.

إديث بياف... نقطة تحوّل في مسيرة أزنافور وأحد القلوب النابضة للفيلم (باتيه فيلم)

لعلّ أجمل ما يصوّره الفيلم هو صعود أزنافور، القصير القامة والعاديّ الملامح وصاحب الصوت المجروح، من مغنٍ منبوذٍ من الصحافة والجمهور إلى أيقونة الأغنية الفرنسية وسفيرها إلى العالم. لم يؤمن بالحظّ بل بالعمل 17 ساعة يومياً. لم ينم على الحرير بل حاك ثوبه بخيوط المثابرة. حتى الرمق الأخير، ألّف شارل أزنافور الأغاني وجال بها العواصم. لكنّ البداية لم تكن مفروشةً بالورد، فهو غنّى أمام قاعاتٍ شبه خالية، وأصدرَ أسطوانات لم تحقق أي مبيعات، وتعرّض للشتيمة من النقّاد. وسط ذلك كله، تسلّح بصبره وبعشقٍ للنجاح أفرطَ الفيلم في تجسيده، إلى درجة أنه كاد يصوّره رجلاً مهووساً بالشهرة والمال.

يصوّر الفيلم جزءاً من رحلة الصعود المتعثّرة في بدايات أزنافور (باتيه فيلم)

من بين الهفوات التي قد يُلام عليها الفيلم كذلك، أنه غيّب بعض الوقائع مثل زواج أزنافور الثاني، وتفاصيل سنوات الفقر الطويلة، إضافةً إلى شراكته مع مدير أعماله ليفون سايان والتي امتدّت 40 عاماً.

في المقابل، أضاء «Monsieur Aznavour» على نواحٍ أخرى من حياته مثل زواجه الثالث من حبيبته السويدية أوللا، وعلاقته العميقة بشقيقته عايدة، ليبقى الجزء الأكثر تأثيراً وفاة ابنه باتريك في سن الـ25، الأمر الذي حمّل أزنافور أحزاناً ثقيلة وأسئلةً وجوديّة رافقته إلى آخر العمر، وإلى آخر سطر من أغانيه الـ1300.


مقالات ذات صلة

«في عز الضهر»... مينا مسعود يخوض منافسة الموسم السينمائي الصيفي بمصر

يوميات الشرق مينا مسعود وشيرين رضا خلال العرض الخاص (الشرق الأوسط)

«في عز الضهر»... مينا مسعود يخوض منافسة الموسم السينمائي الصيفي بمصر

احتفل صناع فيلم «في عز الضهر» بالعرض الخاص له في القاهرة، الاثنين، داخل إحدى الصالات السينمائية، وهو العمل الذي تستقبله دور العرض السينمائية، الأربعاء.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز تعود للسينما بفيلم «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

نجوم مصريون يعودون للسينما بعد سنوات من الغياب

تشهد شاشات السينما المصرية خلال الفترة المقبلة عودة عدد من الفنانين الذين اختفوا لفترات طويلة، بعد تصدرهم لأدوار البطولة.

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق عصام عمر والكلب رامبو في مشهد بالفيلم (الشركة المنتجة)

«السيد رامبو» و«دخل الربيع يضحك» للمشاركة في «عمّان السينمائي»

تشهد الدورة السادسة من مهرجان «عمّان السينمائي» المقررة إقامتها في العاصمة الأردنية من 2 إلى 10 يوليو (تموز) المقبل حضوراً مصرياً لافتاً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق منى زكي تستعد لفيلم جديد (حسابها في «فيسبوك»)

«رزق الهبل» هل يُعيد السيطرة النسائية على صناعة السينما؟

يشهد فيلم «رزق الهبل» عودة التعاون الفني بين الفنانة منى زكي والمخرجة كاملة أبو ذكري بعد مشاركتهما معاً في فيلم «عن العشق والهوى» عام 2006.

داليا ماهر (القاهرة )
سينما  «بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)

عودة «الزومبي» قريباً إلى الصالات

ينطلق ‫في العشرين من الشهر الحالي ‬فيلم «بعد 28 سنة» (‪28 Years Later‬) للبريطاني داني بويل مخرج «مليونير العشوائيات»

محمد رُضا (نيويورك)

حملة على مواقع التواصل ترفض دخول أحد قيادات «الأفروسنتريك» إلى مصر

كابا كاميني في إحدى زياراته لمصر (صفحته على «فيسبوك»)
كابا كاميني في إحدى زياراته لمصر (صفحته على «فيسبوك»)
TT

حملة على مواقع التواصل ترفض دخول أحد قيادات «الأفروسنتريك» إلى مصر

كابا كاميني في إحدى زياراته لمصر (صفحته على «فيسبوك»)
كابا كاميني في إحدى زياراته لمصر (صفحته على «فيسبوك»)

عادت قضية «الأفروسنتريك» للواجهة مجدداً في مصر، مع انتشار إعلان لأحد قيادات حركة «الأفروسنتريك» ودعاتها المشهورين، يدعي البروفسير كابا كاميني، عن إنتاج فيلم وثائقي حول الأصول الأفريقية للحضارة المصرية القديمة، والإعلان عن قرب زيارته لمصر، وفق متابعين له.

وتصاعدت حملةٌ على وسائل التواصل تشير إلى أن «وجود كابا في مصر غير مرحب به»، وتصدر اسمه «الترند» على «إكس» في مصر، الأربعاء، تحت عنوان «مش عايزين كابا في مصر».

وأعلن «البروفسور كابا»، كما يسمي نفسه على صفحته بـ«فيسبوك»، عن فيلم وثائقي تم إنتاجه بالفعل، ومن المقرر عرضه يوم 20 يونيو (حزيران) الحالي بعنوان «نيجوس إن كيميت»، وترجمتها «الملك في مصر» أو «الملك في الأرض السوداء»، وقُوبل هذا الإعلان بسيل من التعليقات على صفحة الناشط الأميركي مفادها أنه «غير مرحب به في مصر».

ونشرت صاحبة حساب على «إكس» تدعى «جيسي يسري» صورة لكابا وهو يمسك مفتاح الحياة «عنخ» وكتبت معلقةً أن هذا هو «كابا» زعيم «الأفروسنتريك» الذين يقولون إنهم أحفاد المصريين القدماء، وإن المصريين الحاليين دخلاء على مصر. ولفتت إلى أن «كابا» سيأتي إلى مصر الجمعة المقبل 20 يونيو (حزيران) الحالي، وأنه نظم تجمعاً اسمه «زنوج كيميت»، ومن المعروف أن «كيميت» هو اسم قديم لمصر، ويعني «الأرض السوداء»، وطالبت صاحبة التعليق الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والسياحة بأن يتخذوا الاحتياطات اللازمة، وأن يحرصوا على أن يرافقه مرشدون سياحيون مثقفون وطنيون، لمنع المهازل التي حصلت في زياراته السابقة، وفق تعبيرها.

وعلّق البعض متسائلاً لماذا لا تمنعه وزارة الداخلية من دخول مصر طالما أنه غير مرغوب فيه؟ وتصاعدت تعليقات أخرى ترفض حضوره إلى مصر وتدعو لمنعه من دخولها، في مقابل تعليقات أخرى تدعو لتجاهله وعدم إعطائه قيمة كبيرة لأن الاهتمام به بهذا الشكل يمنحه شهرة.

بينما نشر آخرون ما يفيد بأن المصريين القدماء رسموا الأفارقة على المعابد كأسرى وعبيد مقيدين، رداً على مزاعم «الأفروسنتريك».

وتتكرر بين فترة وأخرى مزاعم من بعض أنصار «الأفروسنتريك» تنسب الحضارة المصرية القديمة إلى الأفارقة السود، وتدعي أن مصر الحديثة تستولي على هذا الإرث وتنسبه إلى غير أصله، وهو ما يصفه عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية، بأنها «ادعاءات تفتقر إلى الأساس العلمي، ولا تستند إلى أي أدلة أثرية، لغوية، أو بيولوجية معتمدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضارة المصرية القديمة نشأت على ضفاف النيل، وتميزت باستقلالها الثقافي والديني واللغوي، ولم تكن حضارة معزولة، بل تفاعلت مع محيطها، مع احتفاظها بهويتها المتفردة، والدراسات العلمية المستندة إلى تحليل المومياوات، والنقوش، والفن الجنائزي، واللغة المصرية القديمة، تؤكد جميعها أن سكان مصر القديمة كانوا من أصول محلية تشكلت تاريخياً داخل وادي النيل، ولا يمكن اختزالهم في تصنيفات عرقية حديثة».

أحد منشورات كابا حول الفيلم الوثائقي (صفحته على «فيسبوك»)

ويدعو عبد البصير إلى التعامل مع مثل هذه الحركات على 3 مستويات، «أولاً المنع إذا ثبت الضرر بالأمن القومي أو التحريض على الكراهية، ثانياً عدم التضخيم الإعلامي لهم حتى لا يحصلوا على شهرة لا يستحقونها، ثالثاً تقوية أدوات المعرفة والدفاع الثقافي الوطني عبر برامج وخطط التوعية المتنوعة».

وتأسست حركة «الأفروسنتريزم» أو «الأفروسنتريك» في ثمانينات القرن العشرين على يد الناشط الأميركي أفريقي الأصل موليفي أسانتي، الذي قدم العديد من الكتب، بل وأنشأ معهداً للأبحاث باسمه يسعى من خلاله لإعادة تقييم وتقدير الثقافة الأفريقية وإثبات مركزيتها في الحضارات القديمة، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية.

فيما يشير عالم الآثار المصري، الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إلى وجود «حرب شرسة من (الأفروسنتريك) على الحضارة المصرية تتعدد أشكالها، تمثلت في عرض شبكة (نتفليكس) فيلم (الملكة كليوباترا) الذي يسيء إلى الحضارة المصرية، ويُظهر الملكة كليوباترا ببشرة سوداء ترويجاً لفكر (الأفروسنتريك) بأن الحضارة المصرية أصلها أفريقي في تحدٍ واضحٍ للرفض المصري من متخصصين وغيرهم لهذا الطرح».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «الدعوات التي تطالب بمنع دخول دعاة هذه الحركة إلى مصر تعتمد على رأي الجهات الأمنية، وإذا لم تتمكن فصراعنا هو صراع هوية ومجابهة الغزو الفكري تعتمد على تعزيز الهوية وبناء الإنسان المصري، وتأكيد عمق وجذور الشخصية المصرية وهو أقوى الأسلحة»، مطالباً بـ«خطة ممنهجة وممولة من وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار لمجابهة (الأفروسنتريك) عبر برامج إعلامية موجهة باللغة العربية وعدة لغات لتوضيح حقيقة الهوية والشخصية المصرية عبر العصور، لأن هذه الحركات هدفها الطعن في الهوية».

وسبق أن تصاعدت قضية «الأفروسنتريك» في مصر مع إنتاج شبكة «نتفليكس» فيلماً عن الملكة كليوباترا عام 2023، يظهرها ببشرة سمراء وشعر مجعد، وهو ما اعترضت عليه وزارة السياحة والآثار، ووصفته بـ«تزييف التاريخ» و«المغالطة الصارخة»، ونشرت أدلة تؤكد الملامح اليونانية التي كانت تتمتع بها الملكة البطلمية، صاحبة البشرة البيضاء والملامح الرقيقة، وأكدت الوزارة وقتها بالأدلة وفحوصات الحمض النووي للمومياوات أن «المصريين القدماء لا يحملون ملامح الأفارقة».

جانب من الصور التي نشرها كابا عن الفيلم الوثائقي (صفحته على «فيسبوك»)

ويرى الخبير السياحي والباحث في الحضارة المصرية القديمة، بسام الشماع، أن «(الأفروسنتريك) الذين يدّعون أن الحضارات الأفريقية القديمة التي كانت قائمة جنوب الصحراء تم السطو عليها من المصريين، لم ينجحوا في إثبات ما يدعونه، بل وأرى هناك مبالغة في إعطائهم أكثر من قدرهم»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «من واقع خبرتي كمرشد سياحي أرى مبالغة كبيرة في إعطاء هذه الحركة قيمة، فهم يحاولون منذ نحو 100 سنة أن يرسخوا فكرهم ولكنهم فشلوا، وحين تم إنتاج فيلم (الملكة كليوباترا) السمراء أثبتت الإحصاءات أنه حصل على أقل نسبة مشاهدة في تلك الفترة».

وأشار إلى محاولات أخرى لسرقة الحضارة المصرية أو تزييفها، موضحاً: «هناك محاولات من اليهود للسطو على الحضارة المصرية ومحاولات من الأميركيين والتقنيين لترويج فكرة أن الكائنات الفضائية هي التي صنعت الحضارة المصرية، وهذه الدعاوى هي ما يجب أن نواجهها بالتوعية العلمية المنضبطة».

وأضاف الشماع أن «زمن المنع انتهى، لن نستطيع منع هؤلاء من دخول مصر، بل بالعكس فكرة تصويرهم على أنهم عبيد أو المنع سيجذب التعاطف معهم عالمياً، لذلك يجب أن يتم مواجهتهم بشكل عملي أكثر جدية»، ودعا إلى «إقامة مؤتمر دولي أمام الأهرامات يضم كبار العلماء في الحضارة، ينتهي بتوصيات تنفي كل المزاعم التي تشاع عن الحضارة المصرية القديمة، مثل مزاعم (الأفروسنتريك) أو الكائنات الفضائية أو المزاعم اليهودية حول الحضارة المصرية».

OSZAR »