بعد سلسلة من الأعمال المسرحية التي شارك فيها وأخرجها، يعود الفنان زكي محفوض إلى الخشبة في عمل بعنوان: «شليطا بالبيت الأبيض». وابتداءً من 26 يونيو (حزيران) الحالي وحتى 29 منه، يقدّم الفنان عرضه على مسرح «لابيرنت» التابع لـ«مونو» في بيروت. في هذا العرض، الذي كتبه وأخرجه، يُعيد محفوض إلى الحكواتي مكانته على الساحة الفنية، فيروي قصة تتألف من 50 صفحة، تبدأ من «سفر التكوين» وتنتهي بالحلم الأميركي. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه سبق أن قدم هذا العرض في مدينة مونتريال الكندية، وكذلك على خشبة «مترو المدينة» العام الماضي.
أما اليوم، فهو يرغب في تقديمه على مسرح «مونو» ضمن موسم جديد، مستوحياً شخصية الحكواتي على المسرح ليسرد قصة تمزج بين الخيال والواقع.
وعن نشوء الفكرة، يقول محفوض: «سبق أن قدَّمت شخصية الحكواتي خلال شهر رمضان في مونتريال، حيث أقيم مع زوجتي عايدة صبرا. يومها رويتُ قصصاً من الأدب العربي، منها (عنترة) و(ابن المقفع). لطالما أحببت شخصية الحكواتي، ورأيت فيها مشروعاً فنياً آمل أن أنجح فيه. ومن خلالها، أواجه الذكاء الاصطناعي بتواضع».
يرى محفوض أن مسرحيته تنبع من قلق وجودي يعيشه الإنسان المعاصر في زمن تراجع فيه التواصل الإنساني لحساب حوارات باردة مع الذكاء الاصطناعي. يقول: «صرنا نحادث الآلة أكثر مما يحادث بعضنا بعضاً... نبني معها ما تشبه علاقة صداقة، نشكرها، فتردّ التحية، وتدعو لنا بالتوفيق، كأنها تعرفنا حقاً. ننساق خلف هذا الوهم، ونمنحه شرعية إنسانية ليست له. ننسى في غمرة هذا الانبهار أن الذكاء الاصطناعي لا يملك حياة، بل هو مجرد آلة تُغذَّى بما نعرفه نحن، ومعلوماته محدودة؛ لأنه لا يختبر العالم بنفسه. من هنا، تحاول مسرحيتي أن تعزف على هذا الوتر الموجِع، فتستعيد الدفء الذي فقدناه، وتُذكّرنا بالثمن الذي ندفعه كلما ابتعد كل منا عن الآخر باسم التقدّم».
تدور المسرحية حول سلسلة أحداث شهدها العالم، يصوغها محفوض في محتوى خيالي مبني على محطات تاريخية. يقول: «أستحضر التاريخ المعروف، وأربطه بمسار سلس للحكاية يتضمن رسائل سياسية واجتماعية مبطّنة». ويضيف: «الحكاية بسيطة في فكرتها وحبكتها، لكنها عميقة في رسائلها. والجمهور يتفاعل معها مباشرة. فأنا أجلس معهم وأمامهم، مستغنياً عن الخشبة، وأروي لهم القصة بعفوية الحكواتي».
يربط محفوض في مسرحيته بين محطات تاريخية مختلفة، منها زمن الطوفان وسفينة نوح، مروراً بتكوين أوروبا، واكتشاف كريستوفر كولومبوس أميركا. ويعلّق: «إذا راجعنا ما نعيشه اليوم، لشعرنا بأننا لا نزال في زمن سفينة نوح، ولم نستطع الخروج منها. إلى هذه الدرجة لا نزال نمارس التخلّف. والحروب القائمة هنا وهناك، التي أسميها في المسرحية (دِبّي واعصري)، تسود البشرية منذ الأزل. فالرغد والسلام اللذان يتغنون بهما مجرد ادعاءات لا أكثر. فالمجازر، كما استباحة الأراضي والتهجير، لا تزال قائمة حتى اليوم».
ينهَل زكي محفوض من تجاربه الإنسانية موضوعات يستخدمها في مسرحيته، ويقول: «أنا معجب بمهنة السمكري، وقد كتبت المسرحية بأسلوب شعبي يشبه هذه الشخصية. فهي مهنة ترتكز على إصلاح ما هو متضرر. وفي المسرحية، أحاول مدّ الأنبوب من التاريخ القديم وصولاً إلى الحلم الأميركي، ومن خلاله أركّب صفيحة معدنية (كوع تاريخي)، وأسلّط الضوء على شخصيات لا عمر محدداً لها، تتحاور فيما بينها من خلال الحروب».
يحاول زكي محفوض من خلال هذا العرض المسرحي تكريس دور الحكواتي في زمن تهيمن عليه التكنولوجيا، ويرى أن فقدان الاتصال بين الناس سببه خوف بعضهم من بعض. يقول: «مع الذكاء الاصطناعي، بات الناس يشعرون بالراحة والأمان؛ لأنه لن يفشي أسرارهم، ولن يعيّرهم بماضٍ أو هفوة ارتكبوها. وهذا أمر خطير؛ لأنه يسهم في توسيع الهوّة بين البشر. وفي المسرحية، أحاول الكشف عن الحقائق ضمن قصة خيالية، لكن إذا حللنا ما بين سطورها، فسنُدرك أنها حقيقية».